اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ} (73)

قوله " تاللهِ " التاء حرف قسم ، وهي عند الجمهور بدل من واو القسم ولذلك لا تدخل إلاَّ على الجلالة المعظمة ، أو الرب مضافاً للكعبة ، أو الرحمن في قول ضعيف ، ولو قلت : تالرحْمن " لم يجز ، وهي فرعُ الفرعِ . وهذا مذهب الجمهور .

وزعم السيهليُّ : أنهَّا أصلٌ بنفسها ، ويلازمها التَّعجب غالباً كقوله : ( تالله تفتأ تذكر يوسف ) .

وقال ابنُ عطيَّة : " والتَّاء في " تَاللهِ " بدلٌ من واو ، كما أبدلت في تراثٍ ، وفي التَّوراةِ ، وفي التخمة ، ولا تدخلُ التَّاء في القسم ، إلاَّ في المكتوبة ، من بين أسماء الله تعالى وغير ذلك لا تقول تالرحمنِ ، وتَا الرَّحيم " انتهى وقد تقدَّم أنَّ السُّهيليَّ خالف في كونها بدلاً من واوٍ .

وأمَّا قوله : " في التَّوراةِ " يريد عند البصريين ، وزعم بعضهم أنَّ التَّاء فيها زائدةٌ ، وأمَّا قوله " إلا في المكتُوبَةٍ " هذا هُوا المشهور ، وقد تقدَّم دخولها على غير ذلك .

قوله : " مَا جِئْنَا " يجوز أن يكون معلقاً للعلم ، ويجوز أن يضمن العلم نفسه معنى القسم فيجاب بما يجاب به القسم ، وقيل هذان القولان في قول الشاعر : [ الكامل ]

3125 ولقَدْ عَلمْتُ لتأتِينَّ مَنيِّتِي *** إنَّ المَنايَا لا تَطِيشُ سِهَامُهَا

قوله { وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } يحتمل أن يكون جواباً للقسم فيكونون قد أقسموا على شيئين : نفي الفساد ، ونفي السَّرقة .

فصل

قال المفسرون : حلفوا على أمرين :

أحدهما : على أنهم ما جاءوا لأجل الفسادِ في الأرض ؛ لأنَّه ظهر من أحوالهم وامتناعهم من التصرف في أموال النَّاس بالكليَّة لا بأكل ، ولا بإرسال في مزارع النَّاس حتَّى روي أ نهم كانوا يسدون أفواه دوابهم لئلا يفسد زرع النَّاس ، وكانوا مواظبين على أنواع الطَّاعات .

والثاني : أنهم ما كانوا سارقين ، وقد حصل لهم في شاهد قاطع ، وهو أنهم لما وجدوا بضاعتهم في رحالهم حملوها من بلادهم إلى مصر ، ولم يستحلُّوا أخذها والسارق لا يفعل ذلك ألبتَّة .