الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ} (73)

قوله تعالى : { تَاللَّهِ } : التاءُ حرفُ قسمٍ ، وهي عند الجمهور بدلٌ من واو القسم ، ولذلك لا تدخُل إلا على الجلالةِ المقدسة أو الرب مضافاً للكعبة أو الرحمن في قولٍ ضعيف . ولو قلت : تالرحيم لم يَجُزْ . وهي فرع الفرع . هذا مذهبُ الجمهور ، وزعم السهيلي أنها أصل بنفسها ويلازِمُها التعجبُ غالباً كقوله تعالى : { تَالله تَفْتَؤُاْ } [ يوسف : 85 ] .

وقال ابن عطية : " والتاء في " تاللَّه " بدلٌ من واو ، كما أُبْدِلت في " تُراث " وفي " التوراة " وفي " التُّخَمَة " ، ولا تدخل التاء في القسم ، إلا في المكتوبة من أسماء اللَّه تعالى وغيره ذلك ، لا تقول : تالرحمن ، وتالرحيم " . وقد عرفْتَ أنَّ السهيلي خالَفَ في كونها بدلاً من واو . وأمَّا قولُه : " وفي التوراة " يريد عند البصريين . وزَعَمَ بعضُهم أنَّ التاء فيها زائدة . وأمَّا قوله : " إلا في المكتوبة " هذا هو المشهور . وقد تقدَّم دخولُها على غير ذلك .

قوله : { وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } يُحْتمل أن يكونَ جواباً للقسم ، فيكونون قد أَقْسموا على شيئين : نَفْيِ الفساد ونَفْيِ السَّرِقة .

وقوله : { مَّا جِئْنَا } يجوز أَنْ يكونَ مُعَلِّقاً للعلم ، ويجوز أن يُضَمَّنَ العلمُ نفسُه معنى القسم فيجاب بما يُجاب القسم . وقيل : هذان الوجهان في قولِ الشاعر :

2811 ولقد عَلِمْتُ لَتَأْتِيَنَّ مَنِيَّتي *** إنَّ المَنايا لا تَطيشُ سِهامُها