الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ} (73)

و { قَالُواْ } يعني اخوة يوسف ، { تَاللَّهِ } أي والله ، أصلها الواو قلبت تاء كما فعل القراء في التقوى والتكلان والتراب والتخمة ، وأصلها الواو ، والواو في هذه الحروف كلّها حرف من الأسماء ، وليست كذلك في تالله لأنّها إنّما هي واو القسم وإنّما جعلت بالكثرة ما جرى على ألسن العرب ، هم زعموا أنّ الواو من نفس الحرف فقلبوها تاء ، ووضعت في هذه الكلمة الواحدة دون غيرها من أسماء الله تعالى .

{ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } فإن قيل : من أين علموا ذلك ؟ الجواب عنه : قال الكلبي قال : إن فتى يوسف وهو المؤذّن قال لهم : إنّ الملك ائتمنني بالصاع وأخاف عقوبة الملك ، فلي اليوم عنده مقولة حسنة ، فإن لم أجده تخوّفت أن تسقط منزلتي وأفتضح في مصر ، قالوا : لقد علمتم ما جئنا لنفس في الأرض إنا منذ قطعنا هذا الطريق لم ننزل عند أحد ولا أفسدنا شيئاً وسلوا عنا من مررنا به ، هل ضررنا أحداً ؟ أو هل أفسدنا شيئاً ؟ وإنّا قد رددنا الدراهم كما وجدنا في رحلنا ، فلو كنّا سارقين ما رددناها .

قال فتى يوسف : إنّه صواع الملك الأكبر الذي يكتال فيه ، وقال بعضهم : إنّما قالوا ذلك لأنّهم كانوا معروفين أنّهم لا يتناولون ما ليس لهم ، وقيل : إنّهم كانوا حين دخلوا مصر كمّوا أفواه دوابهم لكي لا تتناول من حروث الناس .

فإن قيل : كيف استجاز يوسف تسميتهم سارقين ؟

قيل : فيه جوابان : أحدهما أنّه أضمر في نفسه أنّهم سرقوه من أبيه ، والآخر أنّه من قول المنادي لا من أمر يوسف والله أعلم .