قوله تعالى :{ وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب } أي : يوحى إليك القرآن ، { إلا رحمة من ربك } قال الفراء : هذا من الاستثناء المنقطع ، معناه لكن ربك رحمك فأعطاك القرآن ، { فلا تكونن ظهيراً للكافرين } أي : معيناً لهم على دينهم . وقال مقاتل : وذلك حين دعي إلى دين آبائه فذكر الله نعمه ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه .
{ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ } أي : لم تكن متحريا لنزول هذا الكتاب عليك ، ولا مستعدا له ، ولا متصديا . { إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } بك وبالعباد ، فأرسلك بهذا الكتاب ، الذي رحم به العالمين ، وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ، وزكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة ، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ، فإذا علمت أنه أنزل إليك رحمة منه ، [ علمت ] أن جميع ما أمر به ونهى عنه ، فإنه رحمة وفضل من اللّه ، فلا يكن في صدرك حرج من شيء منه ، وتظن أن مخالفه أصلح وأنفع .
{ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ } أي : معينا لهم على ما هو من شعب كفرهم ، ومن جملة مظاهرتهم ، أن يقال في شيء منه ، إنه خلاف الحكمة والمصلحة والمنفعة .
ثم ذكره - سبحانه - بنعمة اختصاصه بالنبوة وحمل الرسالة ، فقال : { وَمَا كُنتَ ترجوا أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } .
أى : وما كنت - أيها الرسول الكريم - قبل وحينا إليك بالرسالة ، تتوقع أو تظن أننا سنكلفك بها ، لكننا كلفناك بها وشرفناك بحملها رحمة منها بالناس فأنت الرحمة المهداة والنعمة المسداة إليهم ، لإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان .
وما دام الأمر كذلك ، فأكثر من شكر الله –تعالى- وامض في طريقك فلا تكونن { ظهيرا } أي : معينا ونصيرا { للكفرين } .
ثم قال تعالى مذكِّرًا لنبيه نعمته العظيمة عليه وعلى العباد إذ أرسله إليهم : { وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ } أي : ما كنت تظن قبل إنزال الوحي{[22468]} إليك أن الوحي ينزل عليك ، { إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } أي : إنما نزل{[22469]} الوحي عليك من الله من رحمته بك وبالعباد بسببك ، فإذا منحك بهذه النعمة العظيمة { فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا } أي : معينًا { لِلْكَافِرِينَ } [ أي ]{[22470]} : ولكن فارقهم ونابذهم وخالفهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا كُنتَ تَرْجُوَ أَن يُلْقَىَ إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاّ رَحْمَةً مّن رّبّكَ فَلاَ تَكُونَنّ ظَهيراً لّلْكَافِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وما كنت ترجو يا محمد أن ينزل عليك هذا القرآن ، فتعلم الأنباء والأخبار عن الماضين قبلك ، والحادثة بعدك ، مما لم يكن بعدُ ، مما لم تشهده ولا تشهده ، ثم تتلو ذلك على قومك من قريش ، إلاّ أن ربك رحمك ، فأنزله عليك ، فقوله : إلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ استثناء منقطع .
وقوله : فَلا تَكُونَنّ ظَهِيرا للْكافِرِينَ يقول : فاحمَدْ ربك على ما أنعم به عليك من رحمته إياك ، بإنزاله عليك هذا الكتاب ، ولا تكوننّ عونا لمن كفر بربك على كفره به . وقيل : إن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم ، وإن معنى اللام : إن الذي فرض عليك القرآن ، فأنزله عليك ، وما كنت ترجو أن ينزل عليك ، فتكون نبيا قبلَ ذلك ، لرادّك إلى مَعاد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.