قوله تعالى : { وكان له } ، لصاحب البستان ، { ثمر } قرأ عاصم و أبو جعفر و يعقوب : { ثمر } بفتح الثاء والميم ، وكذلك : بثمره ، وقرأ أبو عمرو : بضم الثاء ساكنة الميم ، وقرأ الآخرون بضمهما . فمن قرأ بالفتح هو جمع ثمرة ، وهو ما تخرجه الشجرة من الثمار المأكولة . ومن قرأ بالضم فهي الأموال الكثيرة المثمرة من كل صنف ، جمع ثمار . قال مجاهد : ذهب وفضة . وقيل : جميع الثمرات . قال الأزهري : الثمرة تجمع على ثمر ، ويجمع الثمر على ثمار ، ثم تجمع الثمار على ثمر . { فقال } يعني صاحب البستان ، { لصاحبه } المؤمن { وهو يحاوره } ، يخاطبه ويجاوبه : { أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً } أي : عشيرة ورهطاً . وقال قتادة خدماً وحشماً . وقال مقاتل : ولداً ، تصديقه قوله تعالى : { إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً } [ الكهف – 39 ] .
{ 34-36 } { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا }
أي : فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن ، وهما يتحاوران ، أي : يتراجعان بينهما في بعض الماجريات المعتادة ، مفتخرا عليه : { أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا } فخر بكثرة ماله ، وعزة أنصاره من عبيد ، وخدم ، وأقارب ، وهذا جهل منه ، وإلا فأي : افتخار بأمر خارجي ليس فيه فضيلة نفسية ، ولا صفة معنوية ، وإنما هو بمنزله فخر الصبي بالأماني ، التي لا حقائق تحتها ،
ثم بين - سبحانه - أن صاحب هاتين الجنتين كانت له أموال أخرى غيرهما فقال : { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ } .
قال الآلوسى ما ملخصه : " { وكان له } أى : للأحد المذكور وهو صاحب الجنتين { ثمر } أى أنواع من المال . . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائى . . { ثُمُر } بضم الثاء والميم ، وهو جمع ثمار - بكسر الثاء - . . أى : أموال كثيرة من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك ، وبذلك فسره ابن عباس وقتادة وغيرهما
وقوله - سبحانه - : { قَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } حكاية لما تفوه به هذا الكافر من ألفاظ تدل على غروره وبطره .
والمحاورة : المراجعة للكلام من جانبين أو أكثر . يقال : تحاور القوم ، إذا ترجعوا الكلام فيما بينهم . ويقال : كلمته فما أحار إلى جوابا ، أى : ما رد جوابا .
والنفر : من ينفر - بضم الفاء - مع الرجل من قومه وعشيرته لقتال عدوه .
أى : فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن الشاكر : أنا أكثر منك مالا وأعز منك عشيرة وحشما وأعوانا .
وهذا شأن المطموسين المغرورين ، تزيدهم شهوات الدنيا وزينتها . . بطرا وفسادا فى الأرض .
وما أصدق قول قتادة - رضى الله عنه - : " تلك - والله - أمنية الفاجر : كثرة المال وعزة النفر " .
جملة { وكان له ثمر } في موضع الحال من { لأحدهما } . والثمر بضم الثاء والميم : المال الكثير المختلف من النقدين والأنعَام والجنات والمزارع . وهو مأخوذ من ثُمر ماله بتشديد الميم بالبناء للنائب ، يقال : ثَمّر الله ماله إذا كَثُر . قال النابغة :
فلما رأى أن ثَمّر الله ماله *** وأثّل مَوْجُوداً وسَدَّ مفاقِرَه
مشتقاً من اسم الثمرة على سبيل المجاز أو الاستعارة لأن الأرباح وعفو المال يُشبهان ثمر الشجر . وشَاع هذا المجاز حتى صار حقيقة . قال النابغة :
مَهلا فداءٌ لك الأقوامُ كلّهُمُ *** ومَا أُثَمّر من مال ومِنْ وَلَد
وقرأ الجمهور { ثُمُر } بضم المثلثة وضم الميم . وقرأه أبو عمرو ويعقوب بضم المثلثة وسكون الميم . وقرأه عاصم بفتح المثلثة وفتح الميم .
فقالوا : إنه جمع ثِمار الذي هو جمع ثَمر ، مثل كُتب جمع كِتاب فيكون دالاً على أنواع كثيرة مما تنتجه المكاسب ، كما تقدم آنفاً في جمع أساور من قوله : { أساور من ذهب } [ الكهف : 31 ] . وعن النحاس بسنده إلى ثعلب عن الأعمش : أن الحجاح قال : لو سمعت أحداً يقرأ وكان له ثمر } ( أي بضم الثاء ) لقطعت لسانه . قال ثعلب : فقلت للأعمش : أنأخذ بذلك . قال : لا ولا نعمة عَين ، وكان يقرأ : ثُمُر ، أي بضمتين .
والمعنى : وكان لصاحب الجنتين مالٌ ، أي غير الجنتين . والفاء لتفريع جملة { قال } على الجُمل السابقة ، لأن ما تضمنته الجمل السابقة من شأنه أن ينشأ عنه غرور بالنفس يَنطق ربه عن مثل ذلك القول .
و ( الصاحب ) هنا بمعنى المقارن في الذكر حيث انتظمهما خبر المثَل ، أو أريد به الملابس المخاصم ، كما في قول الحجاج يخاطب الخوارج « ألستم أصحابي بالأهواز » .
والمراد بالصاحب هنا الرجل الآخر من الرجلين ، أي فقال : مَن ليس له جناتٌ في حوار بينهما . ولم يتعَلق الغرض بذكر مكان هذا القول ولا سببه لعدم الاحتياج إليه في الموعظة .
وجملة { وهو يحاوره } حال من ضمير { قال } .
والمحاورة : مراجعة الكلام بين متكلميْن .
وضمير الغيبة المنفصل عائد على ذي الجنتين . والضمير المنصوب في { يحاوره } عائد على صاحب ذي الجنتين ، وربُّ الجنتين يحاور صاحبَه . ودل فعل المحاورة على أن صاحبه قد وعظه في الإيمان والعمل الصالح ، فراجعه الكلام بالفخر عليه والتطاول شأن أهل الغَطْرسة والنقائص أن يعدلوا عن المجادلة بالتي هي أحسن إلى إظهار العظمة والكبرياء .
و { أعز } أشد عزة . والعزة : ضد الذل . وهي كثرة عدد عشيرة الرجل وشجاعته .
والنفَر : عَشيرة الرجل الذين ينفرون معه . وأراد بهم هنا ولده ، كما دل عليه مقابلته في جواب صاحبه بقوله : { إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً } [ الكهف : 40 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.