والظرف فى قوله - تعالى - : { يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال . . . } منصوب بالاستقرار العامل فى " الدنيا " الذى هو الخبر فى الحقيقة .
أى : استقر لهم ذلك العذاب الأليم الدنيا ، يوم القيامة ، يوم تضطرب وتتزلزل الأرض والجبال .
{ وَكَانَتِ الجبال } فى هذا اليوم { كَثِيباً مَّهِيلاً } أو : رملا مجتمعا ، بعد أن كانت قبل ذلك الوقت أحجارا صلبة كبيرة .
فقوله : { كَثِيباً } من كثَب الشئَ يَكْثَبه ، إذا جمعه من قرب ثم صبه ، وجمعه كُثُب وكُثبْان ، وهى تلال الرمال المجتمعة كالربوة .
وقوله { مَّهِيلاً } اسم مفعول من هال الشئ هيلا ، إذا نثره ، وفرقه بعد اجتماعه والشئ المهيل : هو الذى يحرَّك أسفله فينهار أعلاه ويتساقط بسرعة .
{ وَعَذَابًا أَلِيمًا يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالْجِبَالُ } أي : تزلزل ، { وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا } أي : تصير ككثبان الرمل بعد ما كانت حجارة صماء ، ثم إنها تنسف نسفا فلا يبقى منها شيء إلا ذهب ، حتى تصير الأرض قاعًا صفصفا ، لا ترى فيها عوجًا ، أي : واديا ، ولا أمتا ، أي : رابية ، ومعناه : لا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع .
ويتعلق { يوم ترجف } بالاستقرار الذي يتضمنه خبر { إن } في قوله { إن لدينا أنكالاً .
والرجف : الزلزلة والاضطراب ، والمراد : الرجف المتكرر المستمر ، وهو الذي يكون به انفراط أجزاء الأرض وانحلالها .
والكثيب : الرمل المجتمع كالربوة ، أي تصير حجارةُ الجبال دُقاقاً .
ومهيل : اسم فعول من هال الشيءَ هيلاً ، إذا نثره وصبّه ، وأصله مهيول ، استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الساكن قبلها فالتقى ساكنان فحذفت الواو ، لأنها زائدة ويدُلُّ عليها الضمة .
وجيء بفعل كانت } في قوله : { وكانت الجبال كثيباً } ، للإِشارة إلى تحقيق وقوعه حتى كأنه وقع في الماضي . ووجه مخالفته لأسلوب { ترجف } أن صيرورة الجبال كثباً أمر عجيب غير معتاد ، فلعله يستبعده السامعون وأما رجف الأرض فهو معروف ، إلاّ أن هذا الرجف الموعود به أعظم ما عرف جنسه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{يوم ترجف الأرض} يعني تحرك الأرض {والجبال} من الخوف {وكانت الجبال} يعني وصارت الجبال بعد القوة والشدة {كثيبا مهيلا} والمهيل الرمل الذي إذا حرك تبع بضعه بعضا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: إن لدينا لهؤلاء المشركين من قريش الذين يؤذونك يا محمد العقوبات التي وصفها في يوم ترجف الأرض والجبال، ورُجفان ذلك: اضطرابه بمن عليه، وذلك يوم القيامة.
"وكانَتِ الجبالُ كَثِيبا مَهِيلاً": وكانت الجبال رملاً سائلاً متناثرا، وذلك إذا حُرّك أسفله، فانهال عليه من أعلاه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ففيه إخبار عن شدة هول ذلك اليوم لأن الجبال من أصلب الأشياء وأشدها في نفسها. ثم يبلغ هول ذلك اليوم مبلغا لا تحتمله الجبال مع شدتها وصلابتها. فإن الإنسان الضعيف المهين أنّى يقوم لشدته وهوله، فذكرهم حال ذلك ليرتدعوا، وينتهوا عمّا هم عليه من التكذيب والضلال.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والرجفة: الزلزلة والزعزعة الشديدة. والكثيب: الرمل المجتمع. أي: كانت مثل رمل مجتمع هيل هيلا، أي: نثر وأسيل.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والرجف: الزلزلة والاضطراب، والمراد: الرجف المتكرر المستمر، وهو الذي يكون به انفراط أجزاء الأرض وانحلالها.
والكثيب: الرمل المجتمع كالربوة، أي تصير حجارةُ الجبال دُقاقاً.
وجيء بفعل كانت في قوله: {وكانت الجبال كثيباً}، للإِشارة إلى تحقيق وقوعه حتى كأنه وقع في الماضي. ووجه مخالفته لأسلوب {ترجف} أن صيرورة الجبال كثيباً أمر عجيب غير معتاد، فلعله يستبعده السامعون وأما رجف الأرض فهو معروف، إلاّ أن هذا الرجف الموعود به أعظم ما عرف جنسه.