الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلۡجِبَالُ كَثِيبٗا مَّهِيلًا} (14)

قوله : { يَوْمَ تَرْجُفُ } : فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنه منصوبٌ ب " ذَرْني " ، وفيه بُعْدٌ . والثاني : أنه منصوبٌ بالاستقرارِ المتعلِّقِ به " لَدَيْنا " . والثالث : أنه صفةٌ ل " عذاباً " فيتعلَّقُ بمحذوفٍ ، أي : عذاباً واقعاً يومَ تَرْجُفُ . والرابع : أنه منصوبٌ ب " أليم " . والعامَّةُ " تَرْجُفُ " بفتح التاءِ وضمِّ الجيمِ مبنياً للفاعلِ ، وزيدُ بن علي يقرؤُه مبنياً للمفعولِ مِنْ أَرْجَفَها .

قوله : { مَّهِيلاً } أصلُه مَهْيُول كمَضْروب ، فاستُثْقِلَتِ الضمةُ على الياءِ فنُقِلَتْ إلى الساكن قبلَها ، وهو الهاءُ ، فالتقى ساكنان . فاختلف النحاةُ في العمل في ذلك : فسيبويه وأتباعُه حذفوا الواوَ ، وكانَتْ أَوْلى بالحَذْفِ ؛ لأنها زائدةٌ ، وإنْ كانَتْ القاعدةُ أنَّ ما يُحْذَفُ لالتقاءِ الساكنَيْن الأولُ ، ثم كَسَرُوا الهاءَ لتَصِحَّ الياءُ ، ووزنُه حينئذٍ مَفِعْل . والكسائيُّ والفراء والأخفش حذفوا الياءَ ؛ لأنَّ القاعدةَ في التقاءِ الساكنَيْنِ إذا احْتِيج إلى حَذْفِ أحدِهما حُذِفَ الأولُ وكان ينبغي على قولِهم أَنْ يُقال : فيه : مَهُوْل ، إلاَّ أنَّهَم كَسَروا الهاءَ لأجلِ الياءِ التي كانَتْ ، فقُلِبت الواوُ ياءً ، ووزنُه حينئذٍ مَفُوْلاً على الأصلِ ، ومَفِيلاً بعد القلب .

قال مكي : " وقد أجازوا كلُّهم أَنْ يأتيَ على أصلِه في الكلامِ فتقول : مَهْيُوْل ومَبْيُوْع ، وما أشبه ذلك مِنْ ذواتِ الياءِ . فإنْ كان مِنْ ذواتِ الواوِ لم يَجُزْ أَنْ يأتيَ على أصلِه عند البصريين ، وأجازه الكوفيون نحو : مَقْوُوْل ومَصْوُوْغ ، وأجازوا كلُّهم مَهُوْل ومَبُوْع على لغةِ مَنْ قال : بُوع المتاعُ ، وقوُل القولُ ، ويكونُ الاختلافُ في المحذوفِ منه على ما تقدَّم " . قلت : التتميمُ في مَبْيُوع ومَهْيُوْل وبابِه لغةُ تميم ، والحَذْفُ لغةُ سائرِ العربِ . ويُقال : هِلْتُ الترابَ أَهيلُه هَيْلاً فهو مَهِيل . وفيه لغةٌ : أَهْلتُه رباعياً إهالةً فهو مُهال نحو : أبَعْتُه إباعَةً فهو مُباعٌ .

والكثيبُ : ما اجتمع من الرَّمْل/ والجمعُ في القلَّة : أَكْثِبَة ، وفي الكثرة : كُثْبان وكُثُب ، كرَغِيف وأرْغِفَة ورُغْفان ورُغُفُ . قال ذو الرمة :

فقلت لها : لا إنَّ أهليَ جيرةٌ *** لأكثبةِ الدَّهْنا جميعاً وماليا

والمَهيلُ : ما انهالَ تحت القَدَمَ ، أي : انصَبَّ ، مِنْ هِلْتُ الترابَ ، أي : طَرَحْتُه ، قال الزمخشري : " مِنْ كَثَبْتُ الشيءَ إذا جَمَعْتَه ، ومنه الكُثْبةُ من اللبن . قالت الضائنة : أُجَزُّ جُفالاً وأُحْلَبُ كُثَباً عِجالاً " .