اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلۡجِبَالُ كَثِيبٗا مَّهِيلًا} (14)

قوله : { يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال } . أي : تتحرك ، وفي نصب " يوم " أوجه :

أحدها : أنه منصوب ب " ذرني " ، وفيه بعد .

والثاني : أنه منصوب بنزع الخافض أي : هذه العقوبة في يوم ترجف .

الثالث : أنه منصوب بالاستقرار المتعلق به " لَديْنَا " .

والرابع : أنه صفة ل " عَذاباً " فيتعلق بمحذوف ، أي عذاباً واقعاً يوم ترجف .

الخامس : أنه منصوب ب " ألِيْم " .

والعامة : " تَرجُف " - بفتح التاء ، وضم الجيم - مبنياً للفاعل .

وزيد بن علي{[58359]} : مبنياً للمفعول ، من أرجفها : والرجفة : الزلزلة والزعزعة الشديدة .

قوله : { وَكَانَتِ الجبال } ، أي : وتكون الجبال { كَثِيباً مَّهِيلاً } ، الكثيب : الرمل المجتمع .

قال حسان : [ الوافر ]

4931 - عَرفْتُ دِيَارَ زَينَب بالكَثِيبِ***كخَطِّ الوحْي في الورَقِ القَشِيبِ{[58360]}

والجمع في القلة : " أكْثِبَةٌ " ، وفي الكثرة : " كثبان " و " كُثُب " ك " رَغيف وأرغِفَة ، ورُغْفَان ورُغُف " .

قال ذو الرمة : [ الطويل ]

4932 - فَقلْتُ لهَا : لا إنَّ أهْلِي لَجيرةٌ***لأكْثِبَةِ الدَّهْنَا جَمِيعاً ومَالِيَا{[58361]}

قال الزمخشري : من كثبت الشيء إذا جمعته ، ومنه الكثبة من اللبن ؛ قالت الضائنة : أجَزُّ جُفالاً ، وأحلبُ كُثَباً عُجَالاً .

[ والمهيل : أصله " مهيول " ك " مضروب " استثقلت الضمة على الياء ]{[58362]} فنقلت إلى الساكن قبلها ، وهو الهاء فالتقى ساكنان ، فاختلف النحاة في العمل في ذلك : فسيبويه ، وأتباعه حذفوا الواو ، وكانت أولى بالحذف ، لأنها زائدة ، وإن كانت القاعدة إنما تحذف لالتقاء الساكنين الأول ، ثم كسروا الهاء لتصح الياء ، ووزنه حينئذ " مفعل " .

والكسائي والفراء والأخفش : حذفوا الياء ، لأن القاعدة في التقاء الساكنين : إذا احتيج إلى حذف أحدهما حذف الأول ، وكان ينبغي على قولهم أن يقال فيه : " مهول " إلا أنهم كسروا الهاء لأجل الياء التي كانت فقلبت الواو ياء ، ووزنه حينئذ " مفعول " على الأصل ، و " مفيل " بعد القلب .

قال مكي : «وقَدْ أجَازوا كلهم أن يأتي على أصله في الكلام ، فتقول : مهيول ومبيوع » ، وما أشبه ذلك من ذوات الياء ، فإن كان من ذوات الواو لم يجز أن يأتي على أصله عند البصريين ، وأجازه الكوفيون ، نحو : مقوول ، ومصووغ .

وأجازوا كلهم : مهول ومبوع ، على لغة من قال : بوع المتاع ، وقول القول ، ويكون الاختلاف في المحذوف منه على ما تقدم .

قال شهاب الدين{[58363]} : «التمام في " مبيوع ، ومهيول " وبابه ، لغة تميم ، والحذف لغة سائر العرب » .

ويقال : هلتُ التراب أهيله هيلاً ، فهو مهيل فيه .

وفيه لغة : أهلتُه - رباعيّاً - إهالةً فهو مُهال ، نحو أبعته إباعة فهو مباع . والمهيل من هال تحته القدم أي انصب أي هلت التراب أي طرحته .

وقال القرطبيُّ{[58364]} : والمَهِيلُ : الذي يمر تحت الأرجل ، قال الضحاك والكلبي : المهيل : الذي إذا وطئته بالقدم زل من تحتها ، فإذا أخذت أسفله انهال .

وقال ابن عباس : «مهيلاً » أي : رملاً سائلاً متناثراً{[58365]} .

قال القرطبيُّ{[58366]} : وأصله مَهْيُول ، وهو «مفعُول » من قولك : هلت التراب عليه أهيلة إهالة وهيلاً ، إذا صببته .

يقال : مَهِيل ومَهْيُول ، ومَكِيل ومكيول ، ومَدِين ومديُون ومَعِين ومَعْيُون .

قال الشاعر : [ الكامل ]

4933 - قَدْ كَانَ قَومُكَ يَحسبُونكَ سيِّداً***وإخَالُ أنَّكَ سيِّدٌ مَعيُونُ{[58367]}

وقال - عليه الصلاة والسلام - حين شكوا إليه الجدوبة : " أتكِيْلُون أمْ تَهِيْلُون " ؟ قالوا : نهيل . قال : " كِيلُوا طَعامَكُم يُبارِكْ لَكُمُ الله فِيْهِ " {[58368]} .


[58359]:ينظر البحر المحيط 8/356، والدر المصون 6/407.
[58360]:ينظر: ديوانه ص 134، وفيه "الرق القشيب" بدل "الورق القشيب" شرح الشواهد الكبرى 4/77، القرطبي 19/32.
[58361]:ينظر: ديوانه ص 732، وشرح شواهد المغني 1/139، واللسان (دهن) ورصف المباني ص 94، ومغني اللبيب 1/48، والبحر 8/352، والدر المصون 6/408.
[58362]:سقط من أ.
[58363]:ينظر: الدر المصون 6/407.
[58364]:الجامع لأحكام القرآن 19/32.
[58365]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/290) عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/446) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
[58366]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 19/32.
[58367]:تقدم.
[58368]:أخرجه البخاري (4/245) كتاب البيوع: باب ما يستحب من الكيل حديث (2128) وابن ماجه (2231، 2232) وأحمد (4/131) والبغوي في "شرح السنة" (6/103) من حديث المقدام بن معد يكرب.