قوله تعالى : { أم أنا خير } بل أنا خير ، " أم " بمعنى بل ليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين ، وقال الفراء : الوقف على قوله : " أم " ، وفيه إضمار ، مجازه : أفلا تبصرون أم تبصرون ، ثم ابتدأ فقال : { أنا خير } ، { من هذا الذي هو مهين } ضعيف حقير يعني موسى ، قوله : { ولا يكاد يبين } يفصح بكلامه للثغته التي في لسانه .
{ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ } يعني -قبحه اللّه- بالمهين ، موسى بن عمران ، كليم الرحمن ، الوجيه عند اللّه ، أي : أنا العزيز ، وهو الذليل المهان المحتقر ، فأينا خير ؟ { و } مع هذا ف { لا يَكَادُ يُبِينُ } عما في ضميره بالكلام ، لأنه ليس بفصيح اللسان ، وهذا ليس من العيوب في شيء ، إذا كان يبين ما في قلبه ، ولو كان ثقيلا عليه الكلام .
و { أَمْ } فى قوله : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } هى المنقطعة المقدرة بمعنى بل التى هى للاضراب ، والإِشارة بهذا تعود لموسى - عليه السلام - .
أى : بل أنا خير من هذا الذى هو فقير وليس صاحب ملك أو سطوة أو مال . . . وفى الوقت نفسه { لاَ يَكَادُ يُبِينُ } أى : لا يكاد يظهر كلامه لعقدة فى لسانه . .
ومن ثم عرف فرعون كيف يلعب بأوتار هذه القلوب ويستغفلها بالبريق القريب !
( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ? ) .
وهو يعني بالمهانة أن موسى ليس ملكاً ولا أميراً ولا صاحب سطوة ومال مشهود . أم لعله يشير بهذا إلى أنه من ذلك الشعب المستعبد المهين . شعب إسرائيل . أما قوله : ( ولا يكاد يبين )فهو استغلال لما كان معروفاً عن موسى قبل خروجه من مصر من حبسة اللسان . وإلا فقد استجاب الله سؤاله حين دعاه : ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ) . . وحلت عقدة لسانه فعلاً ، وعاد يبين .
وعند الجماهير الساذجة الغافلة لا بد أن يكون فرعون الذي له ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحته ، خيراً من موسى - عليه السلام - ومعه كلمة الحق ومقام النبوة ودعوة النجاة من العذاب الأليم !
وقوله : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ } قال السدي : يقول : بل أنا خير من هذا الذي هو مهين . وهكذا قال بعض نحاة البصرة : إن " أم " هاهنا بمعنى " بل " . ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها : " أما أنا خير من هذا الذي هو مهين " . قال ابن جرير : ولو صحت هذه القراءة لكان معناها صحيحا واضحا ، ولكنها خلاف قراءة الأمصار ، فإنهم قرؤوا : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ } ؟ على الاستفهام .
قلت : وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون - عليه اللعنة {[26066]} - أنه خير من موسى ، عليه السلام ، وقد كذب في قوله هذا كذبا بينا واضحا ، فعليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .
ويعني بقوله : { مهين } كما قال سفيان : حقير . وقال قتادة والسدي : يعني : ضعيف . وقال ابن جرير : يعني : لا ملك له ولا سلطان ولا مال .
{ وَلا يَكَادُ يُبِينُ } يعني : لا يكاد يفصح عن كلامه{[26067]} ، فهو عيي حصر . {[26068]}
قال السدي : { وَلا يَكَادُ يُبِينُ } أي : لا يكاد يفهم . وقال قتادة ، والسدي ، وابن جرير : يعني عيي اللسان . وقال سفيان : يعني في لسانه شيء من الجمرة حين{[26069]} وضعها في فيه وهو صغير .
وهذا الذي قاله فرعون - لعنه الله - كذب واختلاق ، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد ، وهو ينظر إلى موسى ، عليه السلام ، بعين كافرة شقية ، وقد كان موسى{[26070]} ، عليه السلام ، من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر{[26071]} أبصار ذوي [ الأبصار و ]{[26072]} الألباب . وقوله : { مهين } كذب ، بل هو المهين الحقير خِلْقةً وخلقا ودينا . وموسى [ عليه السلام ]{[26073]} هو الشريف الرئيس الصادق البار الراشد{[26074]} . وقوله : { وَلا يَكَادُ يُبِينُ } افتراء أيضا ، فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة ، فقد سأل الله ، عز وجل ، أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله ، وقد استجاب الله {[26075]} له في [ ذلك في ]{[26076]} قوله : { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى } [ طه : 26 ] ، وبتقدير أن يكون قد بقى شيء لم يسأل إزالته ، كما قاله الحسن البصري ، وإنما سأل زوال ما يحصل معه الإبلاغ والإفهام ، فالأشياء الخلقية {[26077]} التي ليست من فعل العبد لا يعاب بها ولا يذم عليها ، وفرعون وإن كان يفهم وله عقل فهو يدري هذا ، وإنما أراد الترويج على رعيته ، فإنهم كانوا جهلة أغبياء ،
{ أم أنا خير } مع هذه المملكة والبسطة . { من هذا الذي هو مهين } ضعيف حقير لا يستعد للرئاسة ، من المهانة وهي القلة . { ولا يكاد يبين } الكلام لما به من الرتة فكيف يصلح للرسالة ، و{ أم } إما منقطعة والهمزة فيها للتقرير إذ قدم من أسباب فضله ، أو متصلة على إقامة المسبب مقام السبب . والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون فتعلمون أني خير منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.