{ 23 } { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }
أي : سماع تدبر وتعقل للمعاني والآيات في ذلك .
إن ذلك دليل على رحمة اللّه تعالى كما قال : { وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } وعلى تمام حكمته إذ حكمته اقتضت سكون الخلق في وقت ليستريحوا به{[646]} ويستجموا{[647]} وانتشارهم في وقت ، لمصالحهم الدينية والدنيوية ولا يتم ذلك إلا بتعاقب الليل والنهار عليهم ، والمنفرد بذلك هو المستحق للعبادة .
ثم ذكر - سبحانه - آية رابعة فقال : { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم } أى : نومكم { بالليل والنهار } لراحة أبدانكم وأذهانكم ، { وابتغآؤكم مِّن فَضْلِهِ } أى : وطلبكم أرزاقكم فيهما من فضل الله وعطائه الواسع .
قال الجمل : قيل فى الآية تقديم وتأخير ، ليكون كل واحد مع ما يلائمه ، والتقدير : ومن آياته مناكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار ، فحذف حرف الجر لاتصاله بالليل ، وعطف عليه ، لأن حرف العطف قد يقوم مقام الجار ، والأحسن أن يجعل على حاله ، والنوم بالنهار مما كانت العرب تعده نعمة من الله ولا سيما فى أوقات القيلولة فى البلاد الحارة .
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } كله { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } هذه التوجيهات سماع تدبر وتفكر واعتبار فيعملون بما يسمعون .
( ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله . إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ) . .
وهذه آية كذلك تجمع بين ظواهر كونية وما يتعلق بها من أحوال البشرية ، وتربط بين هذه وتلك . وتنسق بينهما في صلب هذا الوجود الكبير . . تجمع بين ظاهرتي الليل والنهار ونوم البشر ونشاطهم ابتغاء رزق الله ، الذي يتفضل به على العباد ، بعد أن يبذلوا نشاطهم في الكد والابتغاء ، وقد خلقهم الله متناسقين مع الكون الذي يعيشون فيه ؛ وجعل حاجتهم إلى النشاط والعمل يلبيها الضوء والنهار ؛ و حاجتهم إلى النوم والراحة يلبيها الليل والظلام . مثلهم مثل جميع الأحياء على ظهر هذا الكوكب على نسب متفاوتة في هذا ودرجات . وكلها تجد في نظام الكون العام ما يلبي طبيعتها ويسمح لها بالحياة .
( إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ) . . والنوم والسعي سكون وحركة يدركان بالسمع . ومن ثم يتناسق هذا التعقيب في الآية القرآنية مع الآية الكونية التي تتحدث عنها على طريقة القرآن الكريم
{ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ } أي : ومن الآيات ما جعل لكم من صفة النوم في الليل والنهار ، فيه تحصل الراحة وسكون الحركة ، وذهاب الكلال والتعب ، وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار ، وهذا ضد النوم ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي : يعون .
قال الطبراني : حدثنا حجاج بن عمران السدوسي ، حدثنا عمرو بن الحصين العقيلي ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عُلاثة ، حدثني ثور بن يزيد ، عن خالد بن مَعْدان ، سمعت عبد الملك بن مروان يحدث عن أبيه{[22800]} ، عن زيد بن ثابت ، رضي الله عنه ، قال : أصابني أرق من الليل ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " قل : اللهم غارت النجوم ، وهدأت العيون ، وأنت حي قيوم ، يا حي يا قيوم ، [ أنم عيني و ]{[22801]} أهدئ ليلي " فقلتها فذهب عني{[22802]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِالْلّيْلِ وَالنّهَارِ وَابْتِغَآؤُكُمْ مّن فَضْلِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ومن حججه عليكم أيها القوم تقديره الساعات والأوقات ، ومخالفته بين الليل والنهار ، فجعل الليل لكم سكنا تسكنون فيه ، وتنامون فيه ، وجعل النهار مضيئا لتصرّفكم في معايشكم والتماسكم فيه من رزق بكم إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لقَوْمٍ يَسْمَعُونَ يقول تعالى ذكره : إن في فعل الله ذلك كذلك ، لعبرا وذكرى وأدلة على أن فاعل ذلك لا يُعجزه شيء أراده لقوم يسمعون مواعظ الله ، فيتعظون بها ، ويعتبرون فيفهمون حجج الله عليهم .
ذكر تعالى النوم { بالليل والنهار } وعرف النوم إنما هو بالليل وحده ، ثم ذكر الابتغاء { من فضله } كأنه فيهما وإنما معنى ذلك أنه عم بالليل والنهار فسمى الزمان وقصد من ذلك تعديد آية النوم وتعديد آية ابتغاء الفضل فإنهما آيتان تكونان في ليل ونهار ، والعرف يجيز{[9297]} كل واحدة من النعمتين أي محلها من الأغلب ، وقال بعض المفسرين في الكلام تقديم وتأخير{[9298]} .
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا ضعيف وإنما أراد أن يرتب النوم لليل والابتغاء للنهار ولفظ الآية لا يعطي ما أراد .