{ 25 - 27 } { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
أي : ومن آياته العظيمة أن قامت السماوات والأرض واستقرتا وثبتتا بأمره فلم تتزلزلا ولم تسقط السماء على الأرض ، فقدرته العظيمة التي بها أمسك السماوات والأرض أن تزولا ، يقدر بها أنه إذا دعا الخلق دعوة من الأرض إذا هم يخرجون { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ }
ثم ذكر - سبحانه - آية سادسة فقال : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السمآء والأرض بِأَمْرِهِ } والمراد بقيامه : ثباتهما وبقاؤهما بتلك الصورة العجيبة البديعة .
أى : ومن آياته - سبحانه - الدالة على كمال قدرته ، خلقه للسموات وللأرض ، وإبقاؤه لهما على هذها لصورة البديعة ، وقيامها وثباتهما واستمساكهما على تلك الهيئة العجيبة ، وذلك كله بإرادته وأمره ومشيئته .
قال ابن كثير : وشبيه بذلك قوله - تعالى - : { وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ } وقوله : { إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ } وكان عمر بن الخطاب . رضى الله عنه - إذا اجتهد فى اليمين قال : لا ، والله الذى تقوم السماء والأرض بأمره ، أى : هى قائمة ثابتة بأمره وتسخيره إياها .
وقوله - تعالى - : { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأرض إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } بيان لامتثالهم لأمهر بدون تقاعس ، عندما يدعوهم الداعى للخروج من قبورهم للبعث والحساب .
و " ثم " بعدها كلام محذوف ، و " وإذا " الأولى شرطيه ، والثانية فجائية ، والداعى هو إسرافيل بأمر الله - تعالى - : وقوله : { مِّنَ الأرض } متعلق بقوله { دَعَاكُمْ } .
أى : ثم بعد موتكم ووضعكم فى قبوركم ، إذا دعاكم الداعى دعوة واحدة من الأرض التى أنتم مستقرون فيها ، إذا أنتم تخرجون من قبوركم مسرعين بدون تلبث أو توقف ، كما يجيب المدعو المطيع دعوة الداعى المطاع .
قال صاحب الكشاف : وإنما عطف هذه الجملة على قيام السماوات والأرض بثم ، بيانا لعظم ما يكون من ذلك الأمر ، واقتداره - سبحانه - على مثله وهو أن يقول : يا أهل القبول قوموا ، فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر ، كما قال - تعالى - : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } وكما فى قوله - سبحانه - : { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بالساهرة } وكما فى قوله - عز وجل - : { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً }
( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ، ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون . وله من في السماوات والأرض كل له قانتون ) .
وقيام السماء والأرض منتظمة سليمة مقدرة الحركات لا يكون إلا بقدرة من الله وتدبير . وما من مخلوق يملك أن يدعي أنه هو أو سواه يفعل هذا . وما من عاقل يملك أن يقول : إن هذا كله يقع بدون تدبير . وإذن فهي آية من آيات الله أن تقوم السماء والأرض بأمره ، ملبية لهذا الأمر ، طائعة له ، دون انحراف ولا تلكؤ ولا اضطراب .
( ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) . .
ومن يرى هذا التقدير في نظام الكون ، وهذه السلطة على مقدراته ، لا يشك في تلبية البشر الضعاف لدعوة تصدر إليهم من الخالق القادر العظيم ، بالخروج من القبور !
ثم قال : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ } كقوله : { وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ } [ الحج : 65 ] ، وقوله : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا } [ فاطر : 41 ] . وكان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، إذا اجتهد في اليمين يقول : لا والذي تقوم السماء والأرض بأمره ، أي : هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها ، ثم إذا كان يوم القيامة بُدلت الأرض غير الأرض والسموات ، وخرجت الأموات من قبورها أحياء بأمره تعالى ودعائه إياهم ؛ ولهذا قال : { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ } كما قال تعالى : { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا } [ الإسراء : 52 ] .
وقال تعالى : { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ } [ النازعات : 13 ، 14 ] ، وقال : { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [ يس : 53 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السّمَآءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الأرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ومن حججه أيها القوم على قُدرته على ما يشاء ، قيام السماء والأرض بأمره خضوعا له بالطاعة بغير عمد ترى ثُمّ إذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذَا أنْتُمْ تَخْرَجُونَ يقول : إذا أنتم تخرجون من الأرض ، إذا دعاكم دعوة مستجيبين لدعوته إياكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَمِنْ آياتِهِ أنْ تَقُومَ السّماءُ والأرْضُ بأمْرِهِ قامتا بأمره بغير عمد ثُمّ إذَا دَعاكمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذَا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ قال : دعاهم فخرجوا من الأرض .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : إذَا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ يقول : من الأرض .
و { من الأرض } حال للمخاطبين كأنه قال : خارجين من الأرض ، ويجوز أن يكون { من الأرض } صفة للدعوة .
قال الفقيه الإمام القاضي : و { من } ، عندي ها هنا لانتهاء الغاية كما تقول دعوتك من الجبل إذا كان المدعو في الجبل{[9302]} ، والوقف في هذه الآية عند نافع ويعقوب الحضرمي على { دعوة } ، والمعنى بعد إذا أنتم تخرجون من الأرض ، وهذا على أن { من } لابتداء الغاية ، والوقف عند أبي حاتم على قوله { من الأرض }{[9303]} ، وهذا على أن { من } لانتهاء الغاية ، قال مكي : والأحسن عند أهل النظر أو الوقف في آخر الآية لأن مذهب الخليل وسيبويه في { إذا } الثانية أنها جواب الأولى كأنه قال : ثم إذا دعاكم خرجتم وهذا أسدّ الأقوال .
وقرأ حمزة والكسائي «تَخرجون » بفتح التاء ، وقرأ الباقون «تُخرجون » بضم التاء{[9304]} .