قوله تعالى : { فناداها من تحتها } ، قرأ أبو جعفر ، ونافع ، و حمزة ، والكسائي ، وحفص : { من تحتها } بكسر الميم والتاء ، يعني جبريل عليه السلام ، وكانت مريم على أكمة ، وجبريل وراء الأكمة تحتها فناداها . وقرأ الآخرون بفتح الميم والتاء ، وأراد جبريل عليه السلام أيضا ، ناداها من سفح الجبل . وقيل : هو عيسى لما خرج من بطن أمه ناداها : { أن لا تحزني } ، وهو قول مجاهد و الحسن . والأول قول ابن عباس رضي الله عنهما ، والسدي ، وقتادة ، والضحاك ، وجماعة : أن المنادي كان جبريل لما سمع كلامها وعرف جزعها ناداها ألا تحزني . { قد جعل ربك تحتك سرياً } ، والسري : النهر الصغير . وقيل : تحتك أي جعله الله تحت أمرك إن أمرتيه أن يجري جرى ، وإن أمرتيه بالإمساك أمسك . قال : ابن عباس رضي الله عنهما : ضرب جبريل عليه السلام - ويقال : ضرب عيسى عليه الصلاة والسلام - برجله الأرض فظهرت عين ماء عذب وجرى . وقيل : كان هناك نهر يابس أجرى الله سبحانه تعالى فيه الماء وحييت النخلة اليابسة ، فأورقت وأثمرت وأرطبت . وقال الحسن : تحتك سرياً يعني : عيسى ، وكان والله عبداً سرياً ، يعني : رفيعاً .
وهذا التمني بناء على ذلك المزعج ، وليس في هذه الأمنية خير لها ولا مصلحة ، وإنما الخير والمصلحة بتقدير ما حصل .
فحينئذ سكن الملك روعها وثبت جأشها وناداها من تحتها ، لعله في مكان أنزل من مكانها ، وقال لها : لا تحزني ، أي : لا تجزعي ولا تهتمي ، ف { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ْ } أي : نهرا تشربين منه .
ثم ذكر - سبحانه - جانباً من إكرامه لمريم فى تلك الساعات العصيبة من حياتها فقال : { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي واشربي وَقَرِّي عَيْناً . . } .
والذى ناداها يرى بعضهم أنه جبريل - عليه السلام - . وقوله { مِن تَحْتِهَآ } فيه قراءتان سبعيتان : إحداهما : بكسر الميم فى لفظ { مِن } على أنه حرف جر ، وخفض تاء { تَحْتِهَآ } على أنه مجرور بحرف الجر والفاعل محذوف أى : فناداها جبريل من مكان تحتها ، أى أسفل منها . . .
والثانية بفتح فى لفظ { مَن } على أنه اسم موصول ، فاعل نادى وبفتح التاء فى { تَحْتَهَآ } على الظرفية ، أى : فنادها الذى هو تحتها ، وهو جبريل - عليه السلام - .
قال القرطبى : قوله - تعالى - { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ } .
قال ابن عباس : المراد بمن تحتها جبريل ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها . . . ففى هذا لها آية وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة ، التى لله - تعالى - فيها مراد عظيم " .
ويرى بعض المفسرين أن المنادى هو عيسى - عليه السلام - فيكون المعنى : فناداها ابنها عيسى الذى كان عندما وضعته موجوداً تحتها .
وقد رجح الإمام ابن جرير هذا الرأى فقال : " وأولى القولين فى ذلك عندنا قول من قال : الذى ناداها ابنها عيسى ، وذلك أنه من كناية - أى ضمير - ذكره أقرب منه من ذكر جبريل ، فرده على الذى هو أقرب إليه أولى من رده على الذى هو أبعد منه ، ألا ترى أنه فى سياق قوله - تعالى - { فَحَمَلَتْهُ فانتبذت بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً .
. } ثم قيل : فناداها نسقا على ذلك ، ولعلة أخرى وهى قوله : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ . . } ولم تشر إليه - إن شاء الله - إلا وقد علمت أنه ناطق فى حاله تلك . . . " .
ويبدو لنا أن ما ذهب إليه ابن جرير من كون الذى نادى مريم هو ابنها عيسى ، أقرب إلى الصواب ، لأن هذا النداء منه لها فى تلك الساعة ، فيه ما فيه من إدخال الطمأنينة والسكينة على قلبها .
أى : فناداها ابنها عيسى الذى كان أسفل منها عندما وضعته . مطمئناً إياها بعد أن قالت : يا ليتنى مت قبل هذا الذى حدث لى . . . ناداها بقوله : { أَلاَّ تَحْزَنِي } يا أماه { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } أى جدولاً صغيراً من الماء ، لتأخذى منه ما أنت فى حاجة إليه ، وسمى النهر الصغير من الماء سريا ، لأن الماء يسرى فيه .
وقيل : المراد بالسرى : عيسى - عليه السلام - مأخوذ من السَّرْو بمعنى الرفعة والشرف .
يقال : سَرُوَ الرجل يسرو - كشرف يشرف - فهو سَرِىّ ، إذا علا قدره وعظم أمره ومنه قول الشاعر :
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم . . . ولا سراة إلا جهالهم سادوا
أى : قد جعل ربك تحتك يا مريم إنسانا رفيع القدر ، وهو ابنك عيسى ، والجلمة الكريمة تعليل لانتفاء الحزن المفهوم من النهى بقوله : { أَلاَّ تَحْزَنِي } قال بعض العلماء ما ملخصه : " وأظهر القولين عندى أن السرى فى الآية النهر الصغير لأمرين :
أحدهما : القرينة من القرآن ، لأن قوله بعد ذلك { فَكُلِي واشربي } قرينة على أن ذلك المأكول والمشروب هو ما تقدم الامتنان به فى قوله : { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } .
الثانى : ما جاء عن ابن عمر من أنه سمع النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن السرى الذى قال الله لمريم : { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } نهر أخرجه الله لها لتشرب منه " .
فهذا الحديث - وإن كانت طرقه لا يخلو شىء منها من ضعف - أقرب إلى الصواب من دعوى أن السرى عيسى بغير دليل يجب الرجوع إليه " .
وفي حدة الألم وغمرة الهول تقع المفاجأة الكبرى :
( فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا . وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا . فكلي واشربي وقري عينا ، فإما ترين من البشر أحدا فقولي : إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) .
يالله ! طفل ولد اللحظة يناديها من تحتها . يطمئن قلبها ويصلها بربها ، ويرشدها إلى طعامها وشرابها . ويدلها على حجتها وبرهانها !
لا تحزني . . ( قد جعل ربك تحتك سريا )فلم ينسك ولم يتركك ، بل أجرى لك تحت قدميك جدولا ساريا - الأرجح أنه جرى للحظته من ينبوع أو تدفق من مسيل ماء في الجبل –
قرأ بعضهم { مَنْ تَحْتَهَا } بمعنى{[18763]} الذي تحتها . وقرأ آخرون : { مِنْ تَحْتِهَا } على أنه حرف جر .
واختلف المفسرون في المراد بذلك من هو ؟ فقال العوفي وغيره ، عن ابن عباس : { فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا } جبريل ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها ، وكذا قال سعيد بن جبير ، والضحاك ، وعمرو بن ميمون ، والسدي ، وقتادة : إنه الملك جبريل عليه الصلاة والسلام ، أي : ناداها من أسفل الوادي .
وقال مجاهد : { فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا } قال : عيسى ابن مريم ، وكذا قال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة قال : قال الحسن : هو ابنها . وهو إحدى{[18764]} الروايتين عن سعيد بن جبير : أنه ابنها ، قال : أولم{[18765]} تسمع الله يقول : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } [ مريم : 29 ] ؟ واختاره ابن زيد ، وابن جرير في تفسيره{[18766]}
وقوله : { أَلا تَحْزَنِي } أي : ناداها قائلا لا تحزني ، { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا } قال سفيان الثوري وشعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب : { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا } قال : الجدول . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : السريّ : النهر . وبه قال عمرو بن ميمون : نهر تشرب منه .
وقال مجاهد : هو النهر بالسريانية .
وقال سعيد بن جُبَيْر : السري : النهر الصغير بالنبطية .
وقال الضحاك : هو النهر الصغير بالسريانية .
وقال إبراهيم النَّخَعِي : هو النهر الصغير .
وقال قتادة : هو الجدول بلغة أهل الحجاز .
وقال وهب بن مُنَبِّه : السري : هو ربيع الماء .
وقال السدي : هو النهر ، واختار هذا القول ابن جرير . وقد ورد في ذلك حديث مرفوع ، فقال الطبراني :
حدثنا أبو شعيب الحَرَّاني : حدثنا يحيى بن عبد الله البَابلُتِّي{[18767]} حدثنا أيوب بن نَهِيك ، سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول : سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن السري الذي قال الله لمريم : { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا } نهر أخرجه الله لتشرب منه " {[18768]} وهذا حديث غريب جدًّا من هذا الوجه . وأيوب بن نهيك هذا هو الحبلي{[18769]} قال فيه أبو حاتم الرازي : ضعيف . وقال أبو زُرْعَة : منكر الحديث . وقال أبو الفتح الأزدي : متروك الحديث .
وقال آخرون : المراد بالسري : عيسى ، عليه السلام ، وبه قال الحسن ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن عَبَّاد بن جعفر . وهو إحدى الروايتين عن قتادة ، وقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، والقول الأول أظهر ؛ ولهذا قال بعده : { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ } أي : وخذي إليك بجذع النخلة . قيل : كانت يابسة ، قاله ابن عباس . وقيل : مثمرة . قال مجاهد : كانت عجوة . وقال الثوري ، عن أبي داود{[18770]} نُفَيْع الأعمى : كانت صَرَفَانة{[18771]}
والظاهر أنها كانت شجرة ، ولكن لم تكن في إبان ثمرها ، قاله وهب بن منبه ؛ ولهذا امتن عليها بذلك ، أن جعل عندها طعامًا وشرابًا ، فقال : { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا } أي : طيبي نفسًا ؛ ولهذا قال عمرو بن ميمون : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب ، ثم تلا هذه الآية الكريمة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا شَيْبَان ، حدثنا مسرور بن سعيد التميمي{[18772]} حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن عُروة بن رُوَيْم ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكرموا عمتكم النخلة ، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام ، وليس من الشجر شيء{[18773]} يُلَقَّح غيرها " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطعموا نساءكم الولدَ الرطَبَ ، فإن لم يكن رطب فتمر ، وليس من الشجرة شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران " .
هذا حديث منكر جدًّا ، ورواه أبو يعلى ، عن شيبان ، به{[18774]}
وقرأ بعضهم قوله : " تساقط " بتشديد السين ، وآخرون بتخفيفها ، وقرأ أبو نَهِيك : { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا } وروى أبو إسحاق عن البراء : أنه قرأها : " تساقط " {[18775]} أي : الجذع . والكل متقارب .
وقوله : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا } أي : مهما رأيت من أحد ، { فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا } المراد بهذا القول : الإشارة إليه بذلك . لا أن{[18776]} المراد به القول اللفظي ؛ لئلا ينافي : { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا }
قال أنس بن مالك في قوله : { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } أي : صمتًا{[18777]} وكذا قال ابن عباس ، والضحاك . وفي رواية عن أنس : " صومًا وصمتًا " ، وكذا قال قتادة وغيرهما .
والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام ، نص على ذلك السدي ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد .
وقال أبو إسحاق ، عن حارثة قال : كنت عند ابن مسعود ، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر ، فقال : ما شأنك ؟ قال أصحابه : حلف ألا يكلم الناس اليوم . فقال عبد الله بن مسعود : كلِّم الناس وسلم عليهم ، فإنما تلك امرأة علمت أن أحدًا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج . يعني بذلك مريم ، عليها السلام ؛ ليكون عذرًا لها إذا سئلت . ورواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، رحمهما الله .
وقال عبد الرحمن بن زيد : لما قال عيسى لمريم : { أَلا تَحْزَنِي } قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي ؟ ! لا ذاتُ زوج ولا مملوكة ، أي شيء عذري عند الناس ؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا ، قال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا } قال : هذا كله من كلام عيسى لأمه . وكذا قال وهب .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزّىَ إِلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } .
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق فَنادَاها مِنْ تَحْتِها بمعنى : فناداها جبرائيل من بين يديها على اختلاف منهم في تأويله فمن متأوّل منهم إذا قرأه مِنْ تحْتِها كذلك ومن متأوّل منهم أنه عيسى ، وأنه ناداها من تحتها بعد ما ولدته . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الكوفة والبصرة : «فَنادَاها مِنْ تَحْتِها » بفتح التاءين من تحت ، بمعنى : فناداها الذي تحتها ، على أن الذي تحتها عيسى ، وأنه الذي نادى أمه . ذكر من قال : الذي ناداها من تحتها المَلَك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبد المؤمن ، قال : سمعت ابن عباس قرأ : فَنادَاها مِنْ تَحْتِها يعني : جبرائيل .
حدثني أحمد بن عبد الله أحمد بن يونس ، قال : أخبرنا عبَثر ، قال : حدثنا حصين ، عن عمرو بن ميمون الأَوْديّ ، قال : الذي ناداها الملك .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، أنه قرأ : فخاطبها من تحتها .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة . أنه قرأ : فخاطبها من تحتها .
حدثنا الرفاعي ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة أنه قرأها كذلك .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك فَنادَاها مِنْ تَحْتِها قال : جبرائيل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَنادَاها مِنْ تَحْتِها : أي من تحت النخلة .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَنادَاها جبرائيل مِنْ تَحْتِها أنْ لا تَحْزَنِي .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله فَنادَاها مِنْ تَحْتِها قال : المَلَك .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله فَنادَاها مِنْ تَحْتِها يعني : جبرائيل كان أسفل منها .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، فَنادَاها مِنْ تَحْتِها قال : ناداها جبرائيل ولم يتكلم عيسى حتى أتت قومها .
ذكر من قال : ناداها عيسى صلى الله عليه وسلم :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَنادَاها مِنْ تَحْتِها قال : عيسى بن مريم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى . وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن فَنادَاها مِنْ تَحْتِها ابنها .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : قال الحسن : هو ابنها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه فَنادَاها عيسى مِنْ تَحْتِها أنْ لا تَحْزَنِي .
حدثني أبو حميد أحمد بن المغيرة الحمصي ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن مهاجر ، عن ثابت بن عجلان ، عن سعيد بن جبير ، قوله فَنادَاها مِنْ تَحْتِها قال عيسى : أما تسمع الله يقول : فأشارَتْ إلَيْهِ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فَنادَاها مِنْ تَحْتِها قال : عيسى ناداها : أنْ لا تَحْزَنِي قَدْ جَعل رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا .
حُدثت عن عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحيّ ، عن أبيّ بن كعب قال : الذي خاطبها هو الذي حملته في جوفها ودخل من فيها .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندنا قول من قال : الذي ناداها ابنها عيسى ، وذلك أنه من كناية ذكره أقرب منه من ذكر جبرائيل ، فردّه على الذي هو أقرب إليه أولى من ردّه على الذي هو أبعد منه ، ألا ترى في سياق قوله فحَمَلَتْهُ فانْتَبَذَتْ بِهِ مَكانا قَصِيّا يعني به : فحملت عيسى فانتبذت به ، ثم قيل : فناداها نسقا على ذلك من ذكر عيسى والخبر عنه . ولعلة أخرى ، وهي قوله : فأشارَتْ إلَيْهِ ولم تشر إليه إن شاء الله إلا وقد علمت أنه ناطق في حاله تلك ، وللذي كانت قد عرفت ووثقت به منه بمخاطبته إياها بقوله لها : أنْ لا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا وما أخبر الله عنه أنه قال لها أشيري للقوم إليه ، ولو كان ذلك قولاً من جبرائيل ، لكان خليقا أن يكون في ظاهر الخبر ، مبينا أن عيسى سينطق ، ويحتجّ عنها للقوم ، وأمر منه لها بأن تشير إليه للقوم إذا سألوها عن حالها وحاله .
فإذا كان ذلك هو الصواب من التأويل الذي بيّنا ، فبين أن كلتا القراءتين ، أعني مِنْ تَحْتِها بالكسر ، و«مَنْ تَحْتَها » بالفتح صواب . وذلك أنه إذا قرىء بالكسر كان في قوله فَنادَاها ذكر من عيسى : وإذا قرىء مِنْ تَحْتِها بالفتح كان الفعل لمن وهو عيسى . فتأويل الكلام إذن : فناداها المولد من تحتها أن لا تحزني يا أمه قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله فَنادَاها مِنْ تَحْتِها أنْ لا تَحْزَنِي قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي ، لا ذات زوج فأقول ومن زوج ، ولا مملوكة فأقول من سيدي ، أيّ شيء عذري عند الناس يا لَيْتَنِي مِتّ قَبْلَ هَذَا وكُنْتُ نَسْيا مَنْسِيّا فقال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام .
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بالسريّ في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عني به : النهر الصغير . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا قال : الجدول .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت البراء يقول في هذه الاَية قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا قال : الجدول .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا وهو نهر عيسى .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا قال : السريّ : النهر الذي كان تحت مريم حين ولدته كان يجري يسمى سَريا .
حدثني أبو حصين ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن عمرو بن ميمون الأَوْدِيّ ، قال في هذه الاَية : قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا قال : السريّ : نهر يُشرب منه .
حدثنا يعقوب وأبو كريب ، قالا : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عمرو بن ميمون ، في قوله : قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا قال : هو الجدول .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد سَرِيّا قال : نهر بالسريانية .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله ، قال ابن جريج : نهر إلى جنبها .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، في قوله قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا قال : كان سريا فقال حميد بن عبد الرحمن : إن السريّ : الجدول ، فقال : غلبتنا عليك الأمراء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا قال : هو الجدول ، النهر الصغير ، وهو بالنبطية : السريّ .
حدثني أبو حميد الحمصي ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن مهاجر ، عن ثابت بن عجلان قال : سألت سعيد بن جبير ، عن السريّ ، قال : نهر .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : النهر الصغير .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أنه قال : هو النهر الصغير : يعني الجدول ، يعني قوله قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك ، قال : جدول صغير بالسريانية .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله تَحْتَكِ سَرِيّا : الجدول الصغير من الأنهار .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا والسريّ : هو الجدول ، تسميه أهل الحجاز .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، في قوله سَرِيّا قال : هو جدول .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم وعن وهب بن منبه قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا يعني ربيع الماء .
حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا والسريّ : هو النهر .
وقال آخرون : عنى به عيسى . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا والسريّ : عيسى نفسه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا يعني نفسه ، قال : وأيّ شيء أسرى منه ، قال : والذين يقولون : السريّ : هو النهر ليس كذلك النهر ، لو كان النهر لكان إنما يكون إلى جنبها ، ولا يكون النهر تحتها .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قيل من قال : عنى به الجدول ، وذلك أنه أعلمها ما قد أعطاها الله من الماء الذي جعله عندها ، وقال لها وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَبا جَنِيّا فَكُلِي من هذا الرطب وَاشْرَبِي من هذا الماء وَقَرّي عَيْنا بولدك ، والسريّ معروف من كلام العرب أنه النهر الصغير ومنه قول لبيد :
فَتَوَسّطا عُرْضَ السّرِيّ وَصَدّعا *** مَسْجُورَةً مُتَجاوِرا قُلاّمُها
{ فناداها من تحتها } عيسى ، وقيل جبريل كان يقبل الولد ، وقيل تحتها أسفل من مكانها . وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص وروح " من تحتها " بالكسر والجر على أن في نادى ضمير أحدهما ، وقيل الضمير في تحتها النخلة . { ألا تحزني } أي لا تحزني أو بأن لا تحزني . { قد جعل ربك تحتك سريا } جدولا . هكذا روي مرفوعا ، وقيل سيدا من السرو وهو عيسى عليه الصلاة والسلام .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم {[7935]}وابن عامر وابن عباس والحسن وزيد بن حبيش ومجاهد والجحدري وجماعة «فناداها مَن تحتها » على أن «مَن » فاعل ينادي والمراد ب «مَن » عيسى ، قال أي ناداها المولود قاله مجاهد والحسن وابن جبير وأبي بن كعب ، وقال ابن عباس المراد «مَن » جبريل ولم يتكلم حتى أتت به قومها وقال علقمة والضحاك وقتادة ، ففي هذه آية لها وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة التي لله فيها مراد عظيم لا سيما والمنادي عيسى ، فأنه يتبين به عذر مريم ولا تبقى بها استرابة ، فلذلك كان النداء أن لا يقع حزن ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم والبراء بن عازب والضحاك وعمرو بن ميمون وأهل الكوفة وأهل المدينة وابن عباس أيضاً والحسن «مِن تحتها » بكسر الميم على أنها لابتداء الغاية واختلفوا ، فقال بعضهم : المراد عيسى ، وقالت فرقة : المراد جبريل المحاور لها قبل ، قالوا : وكان في سعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت هي عليها وأبين وأظهر ، وعليه كان الحسن بن أبي الحسن يقسم وقرأ علقمة وزر بن حبيش «فخاطبها » من تحتها « ، وقرأ ابن عباس » فناداها ملك من تحتها{[7936]} « . وقوله { ألا تحزني } تفسير للنداء ف «أن » مفسرة بمعنى : أي ، و «السري »من الرجال : العظيم الخصال السيد ، و «السري » أيضاً الجدول من الماء ، وبحسب هذا اختلف الناس في هذه الآية فقال قتادة وابن زيد : أراد :جعل تحتك عظيماً من الرجال له شأن ، وقال الجمهور أشار لها إلى الجدول الذي كان قرب جذع نخلة ، وروي أن الحسن فسر الآية فقال أجل لقد جعله الله { سرياً } كريماً ، فقال عبيد بن عبدالرحمن الحميري يا أبا سعيد إنما يعني ب » السري «الجدول . وقال الحسن لهذه وأشباهها أحب قربك ولكن غلبنا عليك الأمراء ومن الشاهد في » السري «قول لبيد . [ الكامل ]
فتوسطا عرض السري فصدعا . . . مسجورة متجاوراً قلاّمها{[7937]}
ضمير الرفع المستتر في ( ناداها ) عائد إلى ما عاد عليه الضمير الغائب في { فحملته } [ مريم : 22 ] ، أي : ناداها المولود .
قرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص ، وأبو جعفر ، وخلف ، وروح عن يعقوب { مِنْ تَحتها } بكسر ميم ( من ) على أنها حرف ابتداء متعلّق ب ( ناداها ) وبجر { تَحتها } .
وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، ورويس عن يعقوب { مَنْ } بفتح الميم على أنها اسم موصول ، وفتح { تَحْتَهَا } على أنه ظرف جعل صلة ، والمعني بالموصول هو الغلام الذي تحتها . وهذا إرهاص لعيسى وكرامة لأمّه عليهما السلام .
وقَيْدُ { من تحتها } لتحقيق ذلك ، ولإفادة أنه ناداها عند وضعه قبل أن ترفعه مبادرة للتسلية والبشارة وتصويراً لتلك الحالة التي هي حالة تمام اتّصال الصبي بأمه .
و { أنَّ من قوله ألاَّ تَحْزَني } تفسيرية لفعل ( ناداها ) .
وجملة { قَدْ جَعلَ رَبُّكِ تحتك سَرِيّاً } خبر مراد به التعليل لجملة { ألاَّ تحزني } ، أي أن حالتك حالة جديرة بالمسرة دون الحزن لما فيها من الكرامة الإلهية .
السرّي : الجدول من الماء كالساقية ، كثير الماء الجاري .
وهبَها الله طعاماً طيّباً وشراباً طيّباً كرامة لها يشهدها كل من يراها ، وكان معها خطيبها يوسف النجار ، ومن عسى أن يشهدها فيكون شاهداً بعصمتها وبراءتها مما يظن بها . فأما الماء فلأنه لم يكن الشأن أن تأوي إلى مجرى ماء لتضع عنده . وأما الرُطب فقيل كان الوقت شتاء ، ولم يكن إبان رطب وكان جذع النخلة جذع نخلة ميتة فسقوط الرطب منها خارق للعادة . وإنما أعطيت رُطباً دون التمر لأنّ الرطب أشهى للنفس إذ هو كالفاكهة وأما التمر فغذاء .