البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا} (24)

السري المرتفع القدر ، يقال سرو يسرو ، ويجمع على سراة بفتح السين وسرواء وهما شاذان فيه ، وقياسه أفعلاء . والسري النهر الصغير لأن الماء يسري فيه ولامه ياء كما أن لام ذلك واو . وقال لبيد :

فتوسطا عرض السري فصدّعا ***مسجورة متحاوراً قلامها

أي جدولاً .

وقرأ زر وعلقمة فخاطبها مكان { فناداها } وينبغي أن يكون تفسيراً لا قراءة لأنها مخالفة لسواد المصحف المجمع عليه ، والمنادي الظاهر أنه عيسى أي فولدته فأنطقه الله وناداها أي حالة الوضع .

وقيل : جبريل وكان في بقعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت عليها وقاله الحسن وأقسم على ذلك .

قيل : وكان يقبل الولد كالقابلة .

وقرأ ابن عباس { فناداها } ملك { من تحتها } .

وقرأ البراء بن عازب وابن عباس والحسن وزيد بن عليّ والضحاك وعمرو بن ميمون ونافع وحمزة والكسائي وحفص { من } حرف جر .

وقرأ الابنان والأبوان وعاصم وزر ومجاهد والجحدري والحسن وابن عباس في رواية عنهما { من } بفتح الميم بمعنى الذي و { تحتها } ظرف منصوب صلة لمن ، وهو عيسى أي ناداها المولود قاله أبيّ والحسن وابن جبير ومجاهد و { أن } حرف تفسير أي { لا تحزني } والسري في قول الجمهور الجدول .

وقال الحسن وابن زيد وقتادة عظيماً من الرجال له شأن .

وروي أن الحسن فسر الآية فقال : أجل لقد جعله الله { سرياً } كريماً فقال حميد بن عبد الرحمن : يا أبا سعيد إنما يعني بالسري الجدول ، فقال الحسن لهذه وأشباهها أحب قربك ، ولكن غلبنا الأمراء .

ثم أمرها بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع .

وقالت فَرِقة : بل كانت النخلة مطعمة رطباً .

وقال السدّي : كان الجذع مقطوعاً وأجرى تحته النهر لجنبه ، والظاهر أن المكلم هو عيسى وأن الجذع كان يابساً وعلى هذا ظهرت لها آيات تسكن إليها وحزنها لم يكن لفقد الطعام والشراب حتى تتسلى بالأكل والشرب ، ولكن لما ظهر في ذلك من خرق العادة حتى يتبين لقومها أن ولادتها من غير فحل ليس ببدع من شأنها .

قال ابن عباس : كان جذعاً نخراً فلما هزت إذ السعف قد طلع ثم نظرت إلى الطلع يخرج من بين السعف ، ثم اخضر فصار بلحاً ، ثم احمر فصار زهواً ثم رطباً كل ذلك في طرفة عين ، فجعل الرطب يقع من بين يديها لا يتسرح منه شيء .