إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا} (24)

{ فَنَادَاهَا } أي جبريلُ عليه السلام { مِن تَحْتِهَا } قيل : إنه كان يقبل الولد ، وقيل : من تحتها أي من مكان أسفلَ منها تحت الأكمة ، وقيل : من تحت النخلة ، وقيل : ناداها عيسى عليه السلام ، وقرئ فخاطبها مَنْ تحتَها بفتح الميم { أَن لا تحزني } أي لا تحزني ، على أن «أنْ » مفسرةٌ ، أو بأن لا تحزني على أنها مصدرية قد حذف عنها الجار { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ } أي بمكان أسفل منك ، وقيل : تحت أمرِك إنْ أمرْتِ بالجري أُجريَ وأن أمرت بالإمساك أُمسِك { سَرِيّاً } أي نهراً صغيراً حسبما روي مرفوعاً ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن جبريلَ عليه السلام ضرب برجله الأرضَ فظهرت عينُ ماء عذبٍ فجرى جدْولاً . وقيل : فعله عيسى عليه السلام . وقيل : كان هناك نهر يابسٌ أجرى الله عز وجل فيه الماءَ حينئذ كما فعل مثلَه بالنخلة ، فإنها كانت نخلةً يابسة لا رأسَ لها ولا ورق فضلاً عن الثمر وكان الوقت شتاءً ، فجعل الله لها إذ ذاك رأساً وخُوصاً وثمراً ، وقيل : كان هناك ماءٌ جارٍ . والأول هو الموافقُ لمقام بيان ظهورِ الخوارق والمتبادرُ من النظم الكريم ، وقيل : سرياً أي سيداً نبياً رفيعَ الشأن جليلاً وهو عيسى عليه السلام ، فالتنوينُ للتفخيم والجملةُ للتعليل لانتفاء الحزْنِ المفهوم من النهي عنه ، والتعرضُ لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرها لتشريفها وتأكيدِ التعليل وتكميلِ التسلية .