الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا} (24)

{ مِن تَحْتِهَا } هو جبريل عليه السلام . قيل : كان يقبل الولد كالقابلة . وقيل : هو عيسى ، وهي قراءة عاصم وأبي عمرو . وقيل : { تَحْتِهَا } أسفل من مكانها ، كقوله : { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار } [ البقرة : 25 ] وقيل : كان أسفل منها تحت الأكمة ، فصاح بها لا تحزني وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص «مِنْ تحتها » وفي ناداها ضمير الملك أو عيسى . وعن قتادة : الضمير في تحتها للنخلة . وقرأ علقمة : فخاطبها من تحتها .

سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن السريّ فقال : «هُوَ الجدولُ » قال لبيد :

فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ فَصَدَّعَا *** مَسْجُورَةً مُتَجَاوِر قُلاَّمهَا

وقيل : هو من السرو . والمراد : عيسى وعن الحسن : كان والله عبداً سرياً .

فإن قلت : ما كان حزنها لفقد الطعام والشراب حتى تسلى بالسري والرطب ؟ قلت : لم تقع التسلية بهما من حيث أنهما طعام وشراب ، ولكن من حيث أنهما معجزتان تريان الناس أنها من أهل العصمة والبعد من الريبة ، وأن مثلها مما قرفوها به بمعزل ، وأن لها أموراً إلهية خارجة عن العادات خارقة لما ألفوا واعتادوا ، حتى يتبين لهم أنّ ولادها من غير فحل ليس ببدع من شأنها .