قوله تعالى : { فأمه هاوية } مسكنه النار ، سمي المسكن أماً ؛ لأن الأصل في السكون إلى الأمهات ، والهاوية اسم من أسماء جهنم ، وهي المهواة لا يدرك قعرها ، وقال قتادة : وهي كلمة عربية ، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد ، يقال : هوت أمه . وقيل : أراد أم رأسه ، يعني أنهم يهوون في النار على رؤوسهم ، وإلى هذا التأويل ذهب قتادة وأبو صالح .
{ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } أى : فمرجعه ومأواه الذى يأوى إليه ، نار سحيقة يهوي إليها بدون رحمة أو شفقة ، بسبب كفره وفسوقه .
فالمراد بالأم هنا : المرجع والمأوى ، وبالهاوية : النار التى يسقط فيها ، وسميت النار بذلك لشدة عمقها ، وسمى المأوى أُمًّا ؛ لأن الإِنسان يأوي إليه كما يأوي ويلجأ إلى أمه .
ويرى بعضهم أن المراد بأمه هنا الحقيقة ؛ لأن العرب يكنون عن حال المرء بحال أمه فى الخير وفى الشر ، لشدة محبتها له .
قال صاحب الكشاف : قوله : { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة : هوت أمه ؛ لأنه إذا هوى - أي سقط وهلك- فقد هوت أمه ثكلا وحزنا . . فكأنه قيل : وأما من خفت موازينه فقد هلك .
وقيل : " هاوية " من أسماء النار ، وكأنها النار العميقة لهوي أهل النار فيها مهوى بعيدا ، كما روي : " يهوي فيها سبعين خريفا " ، أي : فمأواه النار .
وقيل للمأوى : أم ، على التشبيه ؛ لأن الأم مأوى الولد ومفزعه .
وقال بعض العلماء : واعلم أنه يجب علينا أن نؤمن بما ذكره الله - تعالى - من الميزان فى هذه الآية وما يشبهها ، وليس علينا أن نبحث فيما وراء ذلك مما لم يثبت عن الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ونكل ما وراء ذلك إلى علام الغيوب ، على أن وزن الأعمال ، أو وزن صحائفها ، أو وزن الصور الجميلة ، كل ذلك أمر ممكن ، لا يترتب على فرض وقوعه محال ، فوقوع شيء من ذلك لا يعجز الله - تعالى - ولا يقف أمام قدرته الغالبة .
وقوله : { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } قيل : معناه : فهو ساقط هاو بأم رأسه في نار جهنم . وعَبَّر عنه بأمه - يعني{[30425]} دماغه - روي نحو هذا عن ابن عباس ، وعكرمة ، وأبي صالح ، وقتادة - قال قتادة : يهوي في النار على رأسه{[30426]} ، وكذا قال أبو صالح : يهوون في النار على رءوسهم .
وقيل : معناه : { فَأُمُّهُ } التي يرجع إليها ، ويصير في المعاد إليها { هَاوِيَةٌ } وهي اسم من أسماء النار .
قال ابن جرير : وإنما قيل للهاوية : أمه ؛ لأنه لا مأوى له غيرها{[30427]} .
وقال ابن زيد : الهاوية : النار ، هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ، ويأوي إليها ، وقرأ : { وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ } [ آل عمران : 151 ] .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن قتادة أنه قال : هي النار ، وهي مأواهم .
ولهذا قال تعالى مفسرا للهاوية : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ }
وقوله : { وَأمّا مَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فأُمّهُ هاوِيَةٌ } يقول : وأما من خفّ وزن حسناته ، فمأواه ومسكنه الهاوية ، التي يهوي فيها على رأسه في جهنم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { وَأمّا مَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فأُمّهُ هاويَةٌ } وهي النار ، هي مأواهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { فَأُمّهُ هاوِيَةٌ } قال : مصيره إلى النار ، هي الهاوية . قال قتادة : هي كلمة عربية ، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد ، قال : هوت أمه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الأشعث بن عبد الله الأعمى ، قال : إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين ، فيقولون : رَوّحوا أخاكم ، فإنه كان في غمّ الدنيا . قال : ويسألونه ما فعل فلان ؟ فيقول : مات ، أَو مَا جاءكم ؟ فيقولون : ذهبوا به إلى أمّه الهاوية .
حدثني إسماعيل بن سيف العجليّ ، قال : حدثنا عليّ بن مُسْهِر ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله { فَأُمّهُ هاوِيَةٌ } قال : يهوُون في النار على رؤوسهم .
حدثنا ابن سيف ، قال : حدثنا محمد بن سَوّار ، عن سعيد ، عن قتادة { فَأُمّهُ هاوِيَةٌ } قال : يهوى في النار على رأسه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فَأُمّهُ هاوِيَةٌ } قال : الهاوية : النار هي أمّه ومأواه التي يرجع إليها ، ويأوي إليها ، وقرأ : { وَمأوَاهُمُ النّارُ } .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { فَأُمّهُ هاوِيَةٌ } وهو مثلها ، وإنما جعل النار أمّه ؛ لأنها صارت مأواه ، كما تؤوي المرأة ابنها ، فجعلها إذ لم يكن له مأوى غيرها ، بمنزلة أمّ له .
وقوله تعالى : { فأمه هاوية } قال كثير من المفسرين : المراد بالأم نفس الهاوية ، وهي درك من أدراك النار ، وهذا كما يقال للأرض : أم الناس ؛ لأنها تؤويهم ، وكما قال عتبة بن أبي سفيان في الحرب : فنحن بنوها ، وهي أمنا ، فجعل الله الهاوية أم الكافر لما كانت مأواه ، وقال آخرون : هو تفاؤل بشر فيه تجوز ، كما قالوا :«أمه ثاكل » و«هوى نجمه » ونحو هذاز ، وقال أبو صالح وغيره : المراد أم رأسه ؛ لأنهم يهوون على رؤوسهم ، وقرأ طلحة : «فإمُّه » بكسر الهمزة وضم الميم المشددة .