وقوله - سبحانه - { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال . . } نهي منه - سبحانه - عن أن يشبه في ذاته أو صفاته بغيره ، وقد جاء هذا النهي في صورة الالتفات من الغائب إلى المخاطب ؛ للاهتمام بشأن هذا النهي ، والفاء لترتيب النهي على ما عدد من النعم التي وردت فى هذه السورة ، والتي لم ينته الحديث عنها بعد .
والأمثال : جمع مثل ، وهو النظير والشبيه لغيره ، ثم أطلق على القول السائر المعروف ، لمماثلة مضربه - وهو الذي يضرب فيه - ، لمورده - وهو الذي ورد فيه أولا .
وتضرب الأمثال : لتوضيح الشيء الغريب ، وتقريب المعنى المعقول من المعنى المحسوس ، وعرض ما هو غائب في صورة ما هو مشاهد ، فيكون المعنى الذي ضرب له المثل أوقع في القلوب ، وأثبت في النفوس .
وقوله - تعالى - : { إِنَّ الله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ، تعليل لهذا النهي عن ضرب الأمثال لله - عز وجل - .
أي : فلا تتجاسروا ، وتتطاولوا ، وتضربوا لله - تعالى - الأمثال ، كما يضرب بعضكم لبعض ، فإن الله - تعالى - هو الذي يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك .
قال الزجاج : ورد أن المشركين كانوا يقولون : إن إله العالم أجل من أن يعبده الواحد منا ، فكانوا يتوسلون إلى الأصنام والكواكب ، كما أن أصاغر الناس يخدمون أكابر حضرة الملك ، وأولئك الأكابر يخدمون الملك ، فنهوا عن ذلك .
وقوله : { فَلا تَضْرِبُوا لِلّهِ الأَمْثالَ } يقول : فلا تمثلوا لله الأمثال ، ولا تشبّهوا له الأشباه ، فإنه لا مِثْل له ولا شِبْه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حُذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الأمثال : الأشباه .
وحدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { فَلا تَضْرِبُوا لِلّهِ الأَمْثالَ } يعني : اتخاذهم الأصنام ، يقول : لا تجعلوا معي إلها غيري ، فإنه لا إله غيري .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقا مِنَ السّمَوَاتِ والأرْضِ شَيْئا وَلا يَسْتَطِيعُونَ } ، قال : هذه الأوثان التي تُعْبد من دون الله ، لا تملك لمن يعبدها رزقا ولا ضرّا ولا نفعا ، ولا حياة ولا نشورا . وقوله : { فَلا تَضْرِبُوا لِلّهِ الأَمْثالَ } ، فإنه : أحَد صَمَد لم يَلِد ولم يُولَد ولم يكن له كُفُوا أحد . { إنّ اللّهَ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمونَ } يقول : والله أيها الناس يعلم خطأ ما تمثلون وتضربون من الأمثال وصوابه ، وغير ذلك من سائر الأشياء ، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه .
واختلف أهل العربية في الناصب قوله : «شَيْئا » ، فقال بعض البصريين : هو منصوب على البدل من الرزق ، وهو في معنى : لا يملكون رزقا قليلاً ولا كثيرا . وقال بعض الكوفيين : نصب : «شيئا » ، بوقوع الرزق عليه ، كما قال تعالى ذكره : { ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً وأمْوَاتا } . أي : تكفت الأحياء والأموات ، ومثله قوله تعالى ذكره : { أوْ إطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيما ذا مَقْرَبَةٍ أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ } . قال : ولو كان الرزق مع الشيء لجاز خفضه ، لا يملك لكم رزق شيء من السموات ، ومثله : { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ } .
{ فلا تضربوا لله الأمثال } ، فلا تجعلوا له مثلا تشركون به ، أو تقيسونه عليه ؛ فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال . { إن الله يعلم } ؛ فساد ما تعولون عليه من القياس ، على أن عبادة عبيد الملك أدخل في التعظيم من عبادته وعظم جرمكم فيما تفعلون . { وأنتم لا تعلمون } ، ذلك ، ولو علمتموه لما جرأتم عليه ، فهو : عليم للنهي ، أو أنه يعلم كنه الأشياء ، وأنتم لا تعلمونه ، فدعوا رأيكم دون نصه ، ويجوز أن يراد : فلا تضربوا لله الأمثال ، فإنه يعلم كيف تضرب الأمثال ، وأنتم لا تعلمون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.