إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَلَا تَضۡرِبُواْ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (74)

{ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال } ، التفاتٌ إلى الخطاب ؛ للإيذان بالاهتمام بشأن النهي ، أي : لا تشركوا به شيئاً ، والتعبيرُ عن ذلك بضرب المثَل ؛ للقصد إلى النهي عن الإشراك به تعالى في شأن من الشؤون ، فإن ضربَ المثلِ مبناه تشبيهُ حالة بحالة وقصةٍ بقصة ، أي : لا تُشَبّهوا بشأنه تعالى شأناً من الشؤون ، واللامُ مَثَلُها في قوله تعالى : { ضَرَبَ الله مَثَلاً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأة نُوحٍ } ، { وَضَرَبَ الله مَثَلاً لّلَّذِينَ آمَنُواْ امرأة فِرْعَوْنَ ، } لا مثلُها في قوله تعالى : { واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أصحاب القرية } ونظائرِه ، والفاءُ : للدلالة على ترتب النهي على ما عدّه من النعم الفائضةِ عليهم من جهته سبحانه ، وكونِ ما يشركون به تعالى بمعزل من أن يملِك لهم من إمطار السماوات والأرض شيئاً من رزق ما ، فضلاً عما فُصّل من نعمة الخلق ، والتفضيل في الرزق ونعمةِ الأزواج والأولاد ، { إنَّ الله يَعْلَمُ } ، تعليلٌ للنهي المذكور ، ووعيدٌ على المنهيّ عنه ، أي : إنه تعالى يعلم كنهَ ما تأتون وما تذرون ، وأنه في غاية العِظم والقبح ، { وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ، ذلك ، وإلا لَما فعلتموه ، أو أنه تعالى يعلم كُنهَ الأشياء ، وأنتم لا تعلمونه ، فدعوا رأيَكم ، وقِفوا مواقفَ الامتثالِ لِما ورد عليكم من الأمر والنهي ، ويجوز أن يُراد : فلا تضرِبوا لله الأمثالَ إن الله يعلم كيف تُضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك ، فتقعون فيما تقعون فيه من مهاوي الردة والضلال ، ثم علمهم كيفيةَ ضرب الأمثال في هذا الباب فقال : { ضَرَبَ الله مَثَلاً عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون } .