{ 34 - 36 ْ } { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ * وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ْ }
يقول تعالى - مبينًا عجز آلهة المشركين ، وعدم اتصافها بما يوجب اتخاذها آلهة مع الله- { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ْ } أي : يبتديه { ثُمَّ يُعِيدُهُ ْ } وهذا استفهام بمعنى النفي والتقرير ، أي : ما منهم أحد يبدأ الخلق ثم يعيده ، وهي أضعف من ذلك وأعجز ، { قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ْ } من غير مشارك ولا معاون له على ذلك .
{ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ْ } أي : تصرفون ، وتنحرفون عن عبادة المنفرد بالابتداء ، والإعادة إلى عبادة من لا يخلق شيئًا وهم يخلقون .
ثم ساق - سبحانه - أنواعا أخرى من الأدلة على وحدانية الله - تعالى وقدرته . فقال :
{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ . . . }
أى : قل يا محمد لهؤلاء الغافلين عن الحق : هل من شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله ، أو أشركتموهم مع الله ، من له القدرة على أن يبدأ خلق الإِنسان من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة . . . ثم ينشئه خلقا آخر ، ثم يعيده إلى الحياة مرى أخرى بعد موته ؟
قل لهم يا محمد : الله وحده هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ، أما شركاؤكم فهم أعجز من أن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له . . .
وإذا كان الأمر كذلك من الوضوح والظهور { فأنى تُؤْفَكُونَ } والإِفك الصرف والقلب عن الشيء . يقال : أفكه عن الشيء يأفكه أفكا ، إذا قلبه عنه وصرفه .
أي فكيف ساغ لكم أن تصرفوا عقولكم عن عبادة الإِله الحق ، إلى عبادة أصنام لا تنفع ولا تضر ؟ !
وجاءت جملة { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ . . . } بدون حرف العطف على ما قبلها للإِيذان باستقلالها في الحصول المطلوب ، وإثبات المقصود .
وساق - سبحانه - الأدلة بأسلوب السؤال والاستفهام ، لأن الكلام إذا كان واضحا جليا ثم ذكر على سبيل الاستفهام ، وتفويض الجواب إلى المسئول كان ذلك أبلغ وأوقع في القلب .
وجعل - سبحانه - إعادة المخلوقات بعد موتها حجة عليهم في التدليل على قدرته مع عدم اعترافهم بها ، للإِيذان بسطوع أدلتها ، لأن القادر على البدء يكون أقدر على الإِعادة كما قال - تعالى - { وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ . . } فلما كان إنكارهم لهذه الحقيقة الواضحة من باب العناد أو المكابرة ، نزل إنكارهم لها منزلة العدم .
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : " فإن قلت : كيف قيل لهم هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده ، وهم غير معترفين بالإِعادة ؟
قلت : قد وضعت إعادة الخلق لظهور برهانها موضع ما إن دفعه دافع كان مكابرا رادا الظاهر البين الذي لا مدخل للشبهة فيه ، ودلالة على أهم في إنكارهم لها منكرون أمرا مسلما معترفا بصحته عند العقلاء . " وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - { قُلِ الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } فأمره بأن ينوب عنهم في الجواب . يعني أنه لا يدعهم لجاجهم ومكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فتكلم أنت عنهم . . "
ثم عودة إلى مظاهر قدرة الله ، وهل للشركاء فيها من نصيب .
( قل : هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده ? قل : الله يبدأ الخلق ثم يعيده . فأنى تؤفكون ? قل : هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ? قل : الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى ? فما لكم ? كيف تحكمون ? ) . .
وهذه الأمور المسؤول عنها - من إعادة الخلق وهدايتهم إلى الحق - ليست من بدائه مشاهداتهم ولا من مسلمات اعتقاداتهم كالأولى . ولكنه يوجه إليهم فيها السؤال ارتكانا على مسلماتهم الأولى ، فهي من مقتضياتها بشيء من التفكر والتدبر . ثم لا يطلب إليهم الجواب ، إنما يقرره لهم اعتمادا على وضوح النتائج بعد تسليمهم بالمقدمات .
( قل : هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده ? ) . .
وهم مسلمون بأن الله هو الذي يبدأ الخلق غير مسلمين بإعادته ، ولا بالبعث والنشور والحساب والجزاء . . ولكن حكمة الخالق المدبر لا تكمل بمجرد بدء الخلق ؛ ثم انتهاء حياة المخلوقين في هذه الأرض ، ولم يبلغوا الكمال المقدر لهم ، ولم يلقوا جزاء إحسانهم وإساءتهم ، وسيرهم على النهج أو انحرافهم عنه . إنها رحلة ناقصة لا تليق بخالق مدبر حكيم . وإن الحياة الآخرة لضرورة من ضرورات الاعتقاد في حكمة الخالق وتدبيره وعدله ورحمته . ولا بد من تقرير هذه الحقيقة لهم وهم الذين يعتقدون بأن الله هو الخالق ، وهم الذين يسلمون كذلك بأنه يخرج الحي من الميت . والحياة الأخرى قريبة الشبه بإخراج الحي من الميت الذي يسلمون به :
( قل : الله يبدأ الخلق ثم يعيده ) . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.