ثم قال تعالى مبينا أنه المنفرد بالهداية والإضلال : مَنْ يَهْدِ اللَّهُ بأن يوفقه للخيرات ، ويعصمه من المكروهات ، ويعلمه ما لم يكن يعلم فَهُوَ الْمُهْتَدِي حقا لأنه آثر هدايته تعالى ، وَمَنْ يُضْلِلِ فيخذله ولا يوفقه للخير فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ لأنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ألا ذلك هو الخسران المبين .
قوله { مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدي } أى : من يوفقه الله - تعالى - إلى سلوك طريق الهدى باستعمال عقله وحواسه بمقتضى سنة الفطرة فهو المهتدى حقاً ، الواصل إلى رضوان الله صدقاً .
{ وَمَن يُضْلِلْ فأولئك هُمُ الخاسرون } أى : ومن يخذله - سبحانه - بالحرمان من هذا التوفيق بسبب إيثاره السير في طريق الهوى والشيطان على طريق الهدى والإيمان ، فأولئك هم الخاسرون لدنياهم وآخرتهم .
وأفرد - سبحانه - المهتدى في الجملة الأولى مراعاة للفظ { مَن } ، وجمع الخاسرين في الثانية مراعاة لمعناها فإنها من صيغ العموم .
وحكمه إفراد المهتدى للإشارة إلى أن الحق واحد لا يتعدد ولا يتنوع ، وحكمة جمع الثانى وهو قوله { الخاسرون } للإشارة إلى تعدد أنواع الضلال ، وتنوع وسائله وأساليبه .
القول في تأويل قوله تعالى : { مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : الهداية والإضلال بيد الله والمهتدى وهو السالك سبيل الحقّ الراكب قصد المحجة في دينه من هداه الله لذلك ، فوفقه لإصابته . والضالّ من خذله الله فلم يوفقه لطاعته ، ومن فعل الله ذلك به فهو الخاسر : يعني الهالك . وقد بيّنا معنى الخسارة والهداية والضلالة في غير موضع من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
{ من يهد الله فهو المهتدي ومن يُضلل فأولئك هم الخاسرون } تصريح بأن الهدى والضلال من الله ، وأن هداية الله تختص ببعض دون بعض ، وأنها مستلزمة للاهتداء والإفراد في الأول والجمع في الثاني باعتبار اللفظ ، والمعنى تنبيه على أن المهتدين كواحد لاتحاد طريقهم بخلاف الضالين ، والاقتصار في الأخبار عمن هداه الله بالمهتدي تعظيم لشأن الاهتداء ، وتنبيه على أنه في نفسه كمال جسيم ونفع عظيم لو لم يحصل له غيره لكفاه وأنه المستلزم للفوز بالنعم الآجلة والعنوان لها .
وختمت هذه الآيات التي تضمنت ضلال أقوام والقول فيه بأن ذلك كله من عند الله ، الهداية منه وبخلقه واختراعه وكذلك الإضلال ، وفي الآية تعجب من حال المذكورين ، ومن أضل فقد حتم عليه بالخسران ، والثواب والعقاب متعلق بكسب ابن آدم .
وقوله تعالى : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس } خبر من الله تعالى أنه خلق لسكنى جهنم والاحتراق فيها كثيراً ، وفي ضمنه وعيد للكفار ، و «ذرأ » معناه خلق وأوجد مع بث ونشر ، وقالت فرقة اللام في قوله : { لجهنم } هي لام العاقبة أي ليكون أمرهم ومآلهم لجهنم .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ليس بصحيح ولام العاقبة إنما يتصور إذا كان فعل الفاعل لم يقصد به ما يصير الأمر إليه ، وهذه اللام مثل التي في قوله الشاعر :
يا أم فرو كفي اللوم واعترفي*** فكل والدة للموت تلد
وأما هنا فالفعل قصد به ما يصير الأمر إليه من سكناهم جهنم ، وحكى الطبري عن سعيد بن جبير أنه قال أولاد الزنا مما ذرأ الله لجهنم ثم أسند فيه حديثاً من طريق عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله { كثيراً } وإن كان ليس بنص في أن الكفار أكثر من المؤمنين فهو ناظر إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم «قال الله لآدم أخرج بعث النار فأخرج من كل ألف تسعة وتسعين وتسعمائة » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.