إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِيۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (178)

{ مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدى } لما أُمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن يقُصَّ قصصَ المنسلخِ على هؤلاء الضالين الذين مثلُهم كمثله ليتفكروا فيه ويترُكوا ما هم عليه من الإخلاد إلى الضلالة ويهتدوا إلى الحق عقّب ذلك بتحقيق أن الهدايةَ والضلالةَ من جهة الله عز وجل وإنما العِظةُ والتذكيرُ من قِبَل الوسائطِ العادية في حصول الاهتداءِ من غير تأثير لها فيه سوى كونِها دواعيَ ، إلى صرف العبدِ اختيارَه نحو تحصيلِه حسبما نيط به خلقُ الله تعالى إياه كسائر أفعالِ العباد ، فالمرادُ بهذه الهدايةِ ما يوجب الاهتداءَ قطعاً لكن لا لأن حقيقتَها الدلالةُ الموصلةُ إلى البُغية البتة ، بل لأنها الفردُ الكاملُ من حقيقة الهدايةِ التي هي الدلالةُ إلى ما يوصل إلى البغية أي ما من شأنه الإيصالُ إليها كما سبق تحقيقُه في تفسير قوله تعالى { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة ، الآية 2 ] . وليس المرادُ مجردَ الإخبار باهتداء من هداه الله تعالى حتى يُتوهّم عدمُ الإفادةِ بحسب الظاهِر لظهور استلزامِ هدايتِه تعالى للاهتداء ، ويُحمل النظمُ الكريمُ على تعظيم شأن الأهتداءِ والتنبيه لى أنه في نفسه كمالٌ جسيمٌ ونفعٌ عظيمٌ لو لم يحصُل له غيرُه لكفاه بل هو قصرُ الاهتداء على من هداه الله تعالى حسبما يقتضي به تعريفُ الخبرِ ، فالمعنى من يهدِه الله أي يخلقْ فيه الاهتداء على الوجه المذكور . فهو المهتدي لا غيرُ كائناً من كان { وَمَن يُضْلِلِ } بأن لم يخلُقْ فيه الاهتداءَ بل خلق فيه الضلالةَ لصرف اختيارِها نحوَها { فَأُوْلَئِكَ } الموصوفون بالضلالة على الوجه المذكور { هُمُ الخاسرون } أي الكاملون في الخُسران لا غير ، وإفرادُ المهتدي نظراً إلى معناها للإيذان باتحاد منهاجِ الهُدى وتفرّقِ طرقِ الضلال .