قوله : { مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدي } راعى لفظ " مَنْ " فأفرد ، وراعى معناها في قوله { فأولئك هُمُ الخاسرون } فجمع ، وياء " المُهْتَدِي " ثابتةٌ عند جميع القُرَّاءِ ، لثبوتها في الرسم ، وسيأتي الخلاف في التي في الإسراء .
وقال الواحديُّ : فهُو المُهْتَدِي يجوز إثبات الياء فيه على الأصلِ ، ويجوزُ حذفها استخفافاً ؛ كما قيل في بيت الكتاب : [ الوافر ]
فَطِرْتُ بِمْنْصُلِي فِي يَعْمَلاتٍ *** دَوَامِي الأيْدِ يَخْبِطْنَ السَّرِيحَا{[17019]}
كَنَوَاحِ ريشِ حَمَامَةٍ نَجْديَّةٍ *** ومَسَحْتِ باللِّثَتَيْنِ عَصْفَ الإثْمِدِ{[17020]}
قال ابن جني : شبَّه المضاف إليه بالتنوين فحذف له الياء .
لمَّا وصف الظَّالمين وعرَّف حالهم بالمثل المذكور بيَّن في هذه الآية أنَّ الهداية من اللَّهِ ، وأنَّ الضَّلال من اللَّهِ ، وذكر المعتزلةُ ههنا وجوهاً من التأويل : أحدها :
قال الجُبائيُّ والقاضي : المرادُ من يهده اللَّهُ إلى الجنَّةِ والثَّواب في الآخرة ، فهو المهتدي في الدُّنْيَا السالك طريقة الرشد فيما كلف ، فبيَّن تعالى أنَّهُ لا يهدي إلى الثَّوابِ في الآخرة إلا مَنْ هذه صِفَتُهُ ، ومن يضلله عن طريق الجنَّةِ : { فأولئك هُمُ الخاسرون } .
وثانيها : قال بعضهم : إنَّ في الآية حذفاً ، والتَّقديرُ : من يهده اللَّهُ فيقبل ، ويهتدي بهداه ؛ فهو المهتدي ، ومن يُضللْ فلم يقبل فهو الخَاسِرُ .
وثالثها : أنَّ المراد من يهده اللَّهُ أي : وصفه بكونه مُهتدياً فهو المهتدي ؛ لأنَّ ذلك كالمدح ومدح الله لا يجعل إلاَّ لمن اتَّصَفَ بذلك الوصف المَمْدُوحِ ، ومن يضلل أي : وصفه اللَّهُ بكونه ضالاً : { فأولئك هُمُ الخاسرون } .
ورابعها : من يهده اللَّهُ بالإلطاف وزيادة الهدى فهو المهتدي ، ومن يضلل عن تلك الألطاف بسوء اختياره ، ولم يُؤثِّر فيه فهو الخَاسِرُ .
والجواب من وجوه : الأولُ : أن الفعل يتوقَّفُ على حصول الدَّاعي وحصول الدَّاعي ليس إلاّ من اللَّهِ فالفعلُ ليس إلاَّ من اللَّهِ تعالى .
الثاني : أنَّ خلاف معلوم الله تعالى ممتنع الوقوع ، فمن علم الله منه الإيمان لم يقدر على الكفر وبالضّد .
الثالث : أنَّ كل أحد يقصد حصول الإيمان والمعرفة فإذا حصل الكفر عقيبه عَلِمْنَا أنَّهُ ليس منه بل من غيره .
وأما التأويل الأول : فضعيف لأنه حمل قوله { من يهد الله } على الهداية في الآخرة إلى الجنة وقوله " فَهُوَ المُهْتَدِي " على الاهتداء إلى الحق في الدنيا ، وذلك يوجب ركاكة النظم ، بل يجب أن تكون الهداية والاهتداء راجعين إلى شيء واحد حتى يحسن النظم .
وأما الثاني : فإنه التزام لإضمار زائد ، وهو خلاف اللَّفظ ، ولو جاز فتح باب أمثال هذه الإضمارات لانقلب النفي إثباتاً والإثبات نفياً ، ويخرج كلام الله عن أن يكون حجة ، فإنَّ لكل أحد أن يضمر في الآية ما شاء ، وحينئذ يخرج الكلام عن الإفادة .
وأما الثالث : فضعيف ؛ لأن قول القائل : فلان هدى فلاناً لا يفيدُ في اللغة ألبتَّة أنَّهُ وصفه بكونه مهتدياً ، وقياس هذا على قوله : فلان ضلل فلان وكفره ، قياس في اللغةِ ، وهو في نهاية الفسادِ .
والرابع : باطل ؛ لأن كل ما في مقدور الله تعالى من الألطاف ، فقد فعله عند المعتزلةِ في حق جميع الكُفَّارِ ؛ فحمل الآية على هذا التَّأويل بعيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.