المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِيۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (178)

وختمت هذه الآيات التي تضمنت ضلال أقوام والقول فيه بأن ذلك كله من عند الله ، الهداية منه وبخلقه واختراعه وكذلك الإضلال ، وفي الآية تعجب من حال المذكورين ، ومن أضل فقد حتم عليه بالخسران ، والثواب والعقاب متعلق بكسب ابن آدم .

وقوله تعالى : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس } خبر من الله تعالى أنه خلق لسكنى جهنم والاحتراق فيها كثيراً ، وفي ضمنه وعيد للكفار ، و «ذرأ » معناه خلق وأوجد مع بث ونشر ، وقالت فرقة اللام في قوله : { لجهنم } هي لام العاقبة أي ليكون أمرهم ومآلهم لجهنم .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ليس بصحيح ولام العاقبة إنما يتصور إذا كان فعل الفاعل لم يقصد به ما يصير الأمر إليه ، وهذه اللام مثل التي في قوله الشاعر :

يا أم فرو كفي اللوم واعترفي*** فكل والدة للموت تلد

وأما هنا فالفعل قصد به ما يصير الأمر إليه من سكناهم جهنم ، وحكى الطبري عن سعيد بن جبير أنه قال أولاد الزنا مما ذرأ الله لجهنم ثم أسند فيه حديثاً من طريق عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله { كثيراً } وإن كان ليس بنص في أن الكفار أكثر من المؤمنين فهو ناظر إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم «قال الله لآدم أخرج بعث النار فأخرج من كل ألف تسعة وتسعين وتسعمائة » .