البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِيۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (178)

{ من يهد الله فهو المهتدى ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون } لما تقدم ذكر المهتدين والضالين حبر تعالى : أنه هو المتصرف فيهم بما شاء من هداية وضلال وتقرّر من مذهب أهل السنة أنه تعالى هو خالق الهداية والضلال في العبد وللمعتزلة في هذا ونظائره تأويلات ، قال الجبائي : وهو اختيار القاضي { من يهد الله } إلى الجنة والثواب في الآخرة { فهو المهتدي } في الدنيا السالك طريق الرشد فيما كلف فبين أنه لا يهدي إلى الثواب في الآخرة إلا من هذا وصفه ومن يضلله عن طريق الجنة { فأولئك هم الخاسرون } ، وقال بعضهم : في الكلام حذف أي { من يهد الله } فيقبل ويهتدي بهداه { فهو المهتدي ومن يضلل } بأن لم يقبل فهو الخاسر ، وقال بعضهم : المراد من وصفه الله بأنه مهتدٍ { فهو المهتدي } لأنّ ذلك مدح ومدح الله لا يحصل إلا في حق من كان موصوفاً بذلك { ومن يضلل } أي ومن يصفه بكونه ضالاًّ فهو الخاسر ، وقال بعضهم : من آتيناه الألطاف وزيادة الهدى { فهو المهتد } { ومن يضلل } عن ذلك لما تقدم منه بسوء اختياره فأخرج لهذا السبب تلك الألطاف من أن تؤثر فيه فهو الخاسر وهذه التأويلات كلها متكلفة بعيدة وظاهر الآية يرد على القدرية والمعتزلة و { فهو المهتدى } حمل على لفظ من و { فأولئك هم الخاسرون } حمل على معنى من وحسنه كونه فاصلة رأس آية .