{ يبصرونهم } يرونهم ، وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس ، فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته فلا يسأله ، ويبصر حميمه فلا يكلمه لاشتغاله بنفسه . قال ابن عباس : يتعارفون ساعة من النهار ثم لا يتعارفون بعده . وقيل : { يبصرونهم } يعرفونهم ، أي : يعرف الحميم حميمه حتى يعرفه ، ومع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه . وقال السدي : يعرفونهم أما المؤمن فببياض وجهه ، وأما الكافر فبسواد وجهه ، { يود المجرم } يتمنى المشرك ، { لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته } .
وضمير الجمع فى قوله - سبحانه - { يُبَصَّرُونَهُمْ } يعود إلى الحميمين ، نظرا لعمومهما ، لأنه ليس المقصود صديقين مخصوصين ، وإنما المقصود كل صديق مع صديقه .
والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا ، إجابة عن سؤال تقديره : ولماذا لا يسأل الصديق صديقه فى هذا اليوم ؟ ألأنه لا يراه ؟ فكان الجواب : لا ، إنه يراه ويشاهده ، ويعرف كل قريب قريبه ، وكل صديق صديقه فى هذا اليوم . . ولكن كل واحد منهم مشغول بهمومه .
قال صاحب الكشاف : { يُبَصَّرُونَهُمْ } أى : يبصر الأحماءُ الأحماءَ ، فلا يخفون عليهم ، فلا يمنعهم من المساءلة أن بعضهم لا يبصر بعضا ، وإنما يمنعهم التشاغل .
فإن قلت : ما موقع يبصرونهم ؟ قلت : هو كلام مستأنف ، كأنه لمّا قال : { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } قيل : لعله لا يبصره ، فقيل فى الجواب : يبصرونهم ، ولكنهم لتشاغلهم لم يتمكنوا من تساؤلهم .
فإن قلت : لم جمع الضميرين فى { يُبَصَّرُونَهُمْ } وهى للحميمين ؟ قلت : المعنى على العموم لكل حميمين ، لا لحميمين اثنين .
ثم بين - سبحانه - حالة المجرمين فى هذا اليوم فقال : { يَوَدُّ المجرم } أى : يحب المجرم فى هذا اليوم ويتمنى .
{ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ } أى : يتمنى ويحب لو يفتدى نفسه من عذاب هذا اليوم بأقرب الناس إليه ، وألصقهم بنفسه . . وهم بنوه وأولاده .
وقوله : يُبَصّرُونَهُمْ اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالهاء والميم في قوله يُبَصّرُونَهُمْ فقال بعضهم : عُنى بذلك الأقرباء أنهم يعرّفون أقربائهم ، ويعرّف كلّ إنسان قريبه ، فذلك تبصير الله إياهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يُبَصّرُونَهُمْ قال : يعرَف بعضهم بعضا ، ويتعارفون بينهم ، ثم يفرّ بعضهم من بعض ، يقول : لكُلّ امْرِىْ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيِهِ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يُبَصّرُونَهُمْ يعرّفونهم يعلمون ، والله ليعرّفنّ قوم قوما ، وأناس أناسا .
وقال آخرون : بل عُنِي بذلك المؤمنون أنهم يبصرون الكفار . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يُبَصّرُونَهُمْ المؤمنون يبصرون الكافرين .
وقال آخرون : بل عُنِي بذلك الكفار الذين كانوا أتباعا لاَخرين في الدنيا على الكفر ، أنهم يعرفون المتبوعين في النار . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يُبَصّرونَهُمْ قال : يبصرون الذين أضلوهم في الدنيا في النار .
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ، قول من قال : معنى ذلك : ولا يسأل حميم حميما عن شأنه ، ولكنهم يبصرونهم فيعرفونهم ، ثم يفرّ بعضهم من بعض ، كما قال جلّ ثناؤه : يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ وأُمّهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلّ امْرْىءٍ منهم يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب ، لأن ذلك أشبهها بما دل عليه ظاهر التنزيل ، وذلك أن قوله : يُبَصّرُونَهُمْ تلا قوله : وَلا يَسألُ حَميمٌ حَميما فلأن تكون الهاء والميم من ذكرهم أشبه منها بأن تكون من ذكر غيرهم .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَلا يَسألُ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر القارىء وشَيبة بفتح الياء وقرأه أبو جعفر وشيبة : «وَلا يُسْئَلُ » بضم الياء ، يعني : لا يقال لحميم أين حميمك ؟ ولا يطلب بعضهم من بعض .
والصواب من القراءة عندنا فتح الياء ، بمعنى : لا يسأل الناس بعضهم بعضا عن شأنه ، لصحة معنى ذلك ، ولإجماع الحجة من القرّاء عليه .
يبصرونهم استئناف أو حال تدل على أن المانع من هذا السؤال هو التشاغل دون الخفاء أو ما يغني عنه من مشاهدة الحال كبياض الوجه وسواده وجمع الضميرين لعموم الحميم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه حال من أحد الضميرين أو استئناف يدل على أن اشتغال كل مجرم بنفسه بحيث يتمنى أن يفتدي بأقرب الناس إليه وأعقلهم بقلبه فضلا أن يهتم بحاله ويسأل عنها وقرأ نافع والكسائي بفتح ميم يومئذ وقرىء بتنوين عذاب ونصب يومئذ به لأنه بمعنى تعذيب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.