اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُبَصَّرُونَهُمۡۚ يَوَدُّ ٱلۡمُجۡرِمُ لَوۡ يَفۡتَدِي مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِئِذِۭ بِبَنِيهِ} (11)

قوله : { يُبَصَّرُونَهُمْ } عدي بالتضعيف إلى ثان ، وقام الأول مقام الفاعل ، وفي محل هذه الجملة وجهان :

أحدهما : أنها في موضع الصفة ل «حَمِيم » .

والثاني : أنها مستأنفة .

قال الزمخشريُّ : فإن قلت : ما موقع «يُبصَّرُونهُم » ؟

قلت : هو كلام مستأنف ، كأنه لمَّا قال : { لاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } قيل : لعله لا يبصره ، فقال : «يُبَصَّرُونهُم » ، ثم قال : ويجوز أن يكون «يبصرُونهُم » صفة ، أي : حميماً مبصرين معرفين إياهم انتهى .

وإنما اجتمع الضميران في «يبصرُونهُم » وهما للحميمين حملاً على معنى العمومِ ؛ لأنهما نكرتان في سياق النفي{[57888]} .

وقرأ قتادةُ : «يُبصِرُونهُمْ » مبنياً للفاعل ، من «أبصَرَ » ، أي : يبصر المؤمن الكافر في النار .

فصل في قوله تعالى يبصرونهم

«يُبصَّرُونهُم » ، أي : يرونهم ، يقال : بصرت به أبصر ، قال تعالى : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ }[ طه : 96 ] ، ويقال : «بصَّرَني زيدٌ بكذا » فإذا حذفت الجار قلت : بصَّرني زيدٌ ، فإذا بنيت الفعل للمفعول ، وقد حذفت الجارَّ ، قلت : بصرت زيداً ، فهذا معنى : «يُبَصَّرونهُمْ » أي : يعرف الحميمُ الحميمَ حين يعرفه ، وهو مع ذلك ، لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه ، فيبصر الرجلُ أباه ، وأخاه ، وقرابته ، وعشيرته ، فلا يسألهُ ، ولا يكلمه ؛ لاشتغالهم بأنفسهم .

وقال ابن عبَّاس : يتعارفون ساعة ، ثم لا يتعارفون بعد ذلك{[57889]} .

وقال ابن عباس أيضاً : يُبْصِرُ بعضهم بعضاً{[57890]} ، فيتعارفون ثم يفرُّ بعضهم من بعضٍ ، فالضمير في «يُبَصَّرونهُم » على هذا للكافر ، والهاءُ والميم للأقرباء .

وقال مجاهدُ : المعنى : يُبَصِّرُ الله المؤمنين الكفَّار في يوم القيامةِ ، فالضمير في «يُبَصَّرونهم » للمؤمنين ، والهاءُ والميمُ للكفار{[57891]} .

وقال ابنُ زيدٍ : المعنى : يُبصِّرُ الله الكفار في النار الذين أضلوهم في الدُّنيا ، فالضميرُ في «يُبَصَّرونَهُم » للتابعين ، والهاءُ والميم للمتبوعين{[57892]} .

وقيل : إنه يُبصِرُ المظلومُ ظالمه ، والمقتولُ قاتله .

وقيل : إن الضمير في «يُبصَّرونَهم » يرجع إلى الملائكة ، أي : يعرفون أحوال الناس ، فيسوقون كلَّ فريقٍ إلى ما يليق بهم ، وتمَّ الكلامُ عند قوله : «يُبصَّرُونَهُم » . قوله : «يَوَدُّ المُجرِمُ » ، أي : يتمنَّى الكافرُ { لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ } ، أي : من عذاب جهنم ، وقيل : المرادُ بالمجرم كلُّ مذنب ، وتقدم الكلام على قراءتي «يَومئذٍ » فتحاً وجرًّا في «هود » والعامة : على إضافة «عَذابِ » ل «يَومِئذٍ » .

وأبو حيوة{[57893]} : بتنوين «عذابٍ » ، ونصب «يَومئذٍ » ، على الظرف .

قال ابنُ الخطيب{[57894]} : وانتصابه بعذاب ؛ لأن فيه معنى تعذيب .

وقال أبو حيَّان{[57895]} هنا : «والجمهور يكسرها - أي : ميم يومئذ - والأعرج وأبو حيوة : يفتحها » انتهى .

وقد تقدم أنَّ الفتح قراءةُ نافع ، والكسائي .


[57888]:ينظر: المحرر الوجيز 5/366، والدر المصون 6/376.
[57889]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/229) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/148).
[57890]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/184).
[57891]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/230) وذكره الماوردي (6/92).
[57892]:ينظر المصدر السابق.
[57893]:ينظر: المحرر الوجيز 5/367، والدر المصون 6/376.
[57894]:ينظر: الفخر الرازي 30/112.
[57895]:البحر المحيط 8/334.