المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهۡدِينِ} (99)

99- وقال إبراهيم - لما يئس من إيمانهم - : إني مهاجر إلى المكان الذي أمرني ربي بالمسير إليه ، سيهديني ربي إلى المقر الأمين والبلد الطيب .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهۡدِينِ} (99)

قوله تعالى : { وقال } يعني : إبراهيم ، { إني ذاهب إلى ربي } أي : مهاجر إلى ربي ، والمعنى أهجر دار الكفر وأذهب إلى مرضاة ربي ، قاله بعد الخروج من النار ، كما قال : { إني مهاجر إلى ربي } { سيهدين } إلى حيث أمرني بالمصير إليه ، وهو الشام .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهۡدِينِ} (99)

وقوله : وَقالَ إنّي ذَاهِبٌ إلى رَبّي سَيَهْدِينِ يقول : وقال إبراهيم لما أفْلَجَه الله على قومه ونجاه من كيدهم : إنّي ذاهِبٌ إلى رَبّي يقول : إني مهاجِرٌ من بلدة قومي إلى الله : أي إلى الأرض المقدّسة ، ومفارقهم ، فمعتزلهم لعبادة الله . وكان قتادة يقول في ذلك ما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَقالَ إنّي ذاهِبٌ إلى رَبّي سَيَهْدِينِ : ذاهب بعمله وقلبه ونيته .

وقال آخرون في ذلك : إنما قال إبراهيم إنّي ذاهِبٌ إلى رَبّي حني أرادوا أن يُلْقُوه في النار . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت سليمان بن صُرَدَ يقول : لما أرادوا أن يُلْقوا إبراهيم في النار قالَ إنّي ذاهِبٌ إلى رَبّي سَيَهْدِينِ فجمع الحطب ، فجاءت عجوز على ظهرها حطب ، فقيل لها : أين تريدين ؟ قالت : أريد أذهب إلى هذا الرجل الذي يُلْقَى في النار فلما أُلقي فيها ، قال : حَسْبِيَ الله عليه توكلت ، أو قال : حسبي الله ونعم الوكيل ، قال : فقال الله : يا نارُ كُونِي بَرْدا وَسَلاما على إبْرَاهِيمَ قال : فقال ابن لُوط ، أو ابن أخي لوط : إن النار لم تحرقه من أجلي ، وكان بينهما قرابة ، فأرسل الله عليه عُنُفا من النار فأحرقته .

وإنما اخترت القول الذي قلت في ذلك ، لأن الله تبارك وتعالى ذكر خبره وخبر قومه في موضع آخر ، فأخبر أنه لما نجاه مما حاول قومه من إحراقه قال إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي ففسر أهل التأويل ذلك أن معناه : إني مهاجر إلى أرض الشام ، فكذلك قوله : إنّي ذَاهِبٌ إلى رَبّي لأنه كقوله : إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي . وقوله : سَيَهْدِينِ يقول : سيثبتني على الهدى الذي أبصرته ، ويعينني عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهۡدِينِ} (99)

قالت فرقة : إن قول إبراهيم { إني ذاهب } كان بعد خروجه من النار ، وإنه أشار بذهابه إلى هجرته من أرض بابل حيث كانت مملكة نمرود فخرج إلى الشام ويروى إلى بلاد مصر ، وقالت فرقة : قوله { إني ذاهب } ليس مراده به الهجرة كما في آية أخرى وإنما مراده لقاء الله بعد الاحتراق ولأنه ظن أن النار سيموت فيها ، فقال هذه المقالة قبل أن يطرح في النار ، فكأنه قال إني سائر بهذا العمل إلى ربي ، وهو سيهديني إلى الجنة ، نحا إلى هذا المعنى قتادة ، وللعارفين بهذا الذهاب تمسك واحتجاج في الصفاء وهو محمل حسن في { أني ذاهب } وحده ، والأول أظهر من نمط الآية بما بعده ، لأن الهداية معه تترتب ، والدعاء في الولد كذلك ، ولا يصح مع ذهاب الفناء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهۡدِينِ} (99)

لما نجا إبراهيم من نارهم صمّم على الخروج من بلده ( أُور الكلدانيين ) .

وهذه أول هجرة في سبيل الله للبعد عن عبادة غير الله . والتوراة بعد أن طوت سبب أمر الله إياه بالخروج ذكر فيها أنه خرج قاصداً بلاد حَران في أرض كنعان ( وهي بلاد الفينيقيين ) .

والظاهر : أن هذا القول قاله علنَاً في قومه ليكفوا عن أذاهُ ، وكان الأمم الماضون يُعدّون الجلاء من مقاطع الحقوق ، قال زهير :

وإن الحق مقطعه ثلاث *** يَمين أو نِفار أو جَلاء

ولذلك لما أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة لم يتعرض له قريش في بادىء الأمر ثم خافوا أن تنتشر دعوته في الخارج فراموا اللحاق به فحبسهم الله عنه .

ويحتمل أن يكون قال ذلك في أهله الذين يريد أن يخرج بهم معه فمعنى { ذاهبٌ إلى ربي } مهاجر إلى حيث أعبد ربّي وحده ولا أعبد آلهة غيره ولا أفتَن في عبادته كما فتنت في بلدهم .

ومراد الله أن يفضي إلى بلوغ مكة ليقيم هنالك أول مسجد لإِعلان توحيد الله فسلك به المسالك التي سلكها حتى بلغ به مكة وأودع بها أهلاً ونسلاً ، وأقام بها قبيلة دينُها التوحيد ، وبنى لله معبداً ، وجعل نسله حفظة بيت الله ، ولعلّ الله أطلعه على تلك الغاية بالوحي أو سترها عنه حتى وجد نفسه عندها فلذلك أنطقه بأن ذهابه إلى الله نطقاً عن علم أو عن توفيق .

وجملة { سَيَهْدِينِ } يجوز أن تكون حالاً وهو الأظهر لأنه أراد إعلام قومه بأنه واثق بربه وأنه لا تردد له في مفارقتهم ، ويجوز أن تكون استئنافاً ؛ فعلى الأول هي حال من اسم الجلالة ، ولا يمنع من جعل الجملة حالاً اقترانها بحرف الاستقبال فإن حرف الاستقبال يدل على أنها حال مقدّرة ، والتقدير : أني ذاهب إلى ربّي مقدِّراً ، كما لم يمتنع مجيء الحال معمولاً لعامل مستقبل كما في قوله تعالى : { سيدخلون جهنم داخرين } [ غافر : 60 ] وقوله تعالى : { إن معي ربي سيهدين } [ الشعراء : 62 ] وقول سعد بن ناشب :

سأغسل عني العار بالسيف جالباً *** علي قضاءُ الله ما كان جالباً

وامتناع اقتران جملة الحال بعلامة الاستقبال في الإِثبات أو النفي مذهب بصري ، وهو ناظر إلى غالب أحوال استعمال الحال ، وجوازه مذهب كوفي كما ذكره ابن الأنباري في « الإنصاف » ، والحق في جانب نحاة الكوفة . وقد تلقّف المذهب البصري معظمُ علماء العربية وتحيّر المحققون منهم في تأييده فلجأوا إلى أن علته استبشاع الجمع بين كون الكلمة حالاً وبين اقترانها بعلامة الاستقبال . ونُبينُه بأن الحال ما سميت حالاً إلا لأن المراد منها ثبوت وصف في الحال وهذا ينافي اقترانها بعلامة الاستقبال تنافياً في الجملة . هذا بيان ما وجّه به الرضيّ مذهب البصريين وتبعه التفتزاني في مبحث الحال من شرحه المطوّل على « تلخيص المفتاح » .

وفي مبحث الاستفهام ب ( هل ) منه . وقد زيف السيد الجرجاني في « حاشية المطوّل » ذلك التوجيه في مبحث الحال تزييفاً رشيقاً .

ويجوز أن تكون جملة { سيهدينِ } مستأنفة وبذلك أجاب نحاة البصرة عن تمسك نحاة الكوفة بالآية في جواز اقتران الحال بعلَم الاستقبال ، فالاستئناف بياني بياناً لسبب هجرته .