قوله تعالى : { وقد كفروا به من قبل } أي : بالقرآن ، وقيل : بمحمد صلى الله عليه وسلم ، من قبل أن يعاينوا العذاب وأهوال القيامة ، { ويقذفون بالغيب من مكان بعيد } قال مجاهد : يرمون محمداً بالظن لا باليقين ، وهو قولهم ساحر وشاعر وكاهن ، ومعنى الغيب : هو الظن لأنه غاب علمه عنهم ، والمكان البعيد : بعدهم عن علم ما يقولون ، والمعنى يرمون محمداً بما لا يعلمون من حيث لا يعلمون . وقال قتادة : يرجمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار .
وقوله - سبحانه - : { وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ } أى : قالوا آمنا بأن يوم القيامة حق ، والحال أنهم قد كفروا به من قبل فى الدنيا ، عندما دعاهم إلى الإِيمان به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله - تعالى - : { وَيَقْذِفُونَ بالغيب مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } بيان لما كانوا عليه فى الدنيا من سفاهة فى القول ، وجرأة فى النطق بالباطل ، وفيما لا علم لهم به .
والعرب تقول لكل من تكلم فيما لا يعلمه : هو يقذف ويرجم بالغيب ، والجملة الكريمة معطوفة على قوله : { وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ } .
أى : لقد كفروا بهذا الدين فى الدنيا ، وكانوا ينطقون بأقوال لا علم لهم بها ، وبينها وبين الحق والصدق مسافات بعيدة ، فقد نسبوا إلى الله - تعالى - الولد والشريك ، ويقولون فى الرسول صلى الله عليه وسلم إنه ساحر . . ، وفى شأن البعث : إنه لا حقيقة له ، وفى شأن القرآن : إنه أساطير الأولين .
فالمقصود بالآية تقريعهم وتجهيلهم ، على ما كانا يتفوهون به من كلام ساقط ، بينه وبين الحقيقة مسافات بعيدة .
وقوله : { وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ } أي : كيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة ، وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا بالرسل ؟
{ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } : قال مالك ، عن زيد بن أسلم : { وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ } قال : بالظن .
قلت : كما قال تعالى : { رَجْمًا بِالْغَيْبِ } [ الكهف : 22 ] ، فتارة يقولون : شاعر . وتارة يقولون : كاهن . وتارة يقولون : ساحر . وتارة يقولون : مجنون . إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة ، ويكذبون بالغيب{[24419]} والنشور والمعاد ، ويقولون : { إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } [ الجاثية : 32 ] .
وجملة { وقد كفروا به من قبل } في موضع الحال ، أي كيف يقولون آمنّا به في وقت الفوات والحال أنهم كفروا به من قبلُ في وقت التمكن فهو كقوله تعالى : { وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون } [ القلم : 43 ] .
{ ويقذفون } عطف على { كفروا } فهي حال ثانية . والتقدير : وكانوا يقذفون بالغيب . واختيار صيغة المضارع لحكاية الحالة كقوله تعالى : { ويصنع الفلك } [ هود : 38 ] .
والقذف : الرمي باليد من بعد . وهو هنا مستعار للقول بدون تروِّ ولا دليل ، أي يتكلمون فيما غاب عن القياس من أمور الآخرة بما لا علم لهم به إذ أحالوا البعث والجزاء وقالوا لشركائهم : هم شفعاؤنا عند الله .
ولك أن تجعل { ويقذفون بالغيب من مكان بعيد } تمثيلاً مثل ما في قوله { وأنى لهم التناوش من مكان بعيد } ، شبهوا بحال من يقذف شيئاً وهو غائب عنه لا يراه فهو لا يصيبه البتة .
وحُذف مفعول { يقذفون } لدلالة فعل { وقد كفروا به من قبل } عليه ، أي يقذفون أشياء من الكفر يرمون بها جزافاً .
والغيب : المغيَّب . والباء للملابسة ، والمجرور بها في موضع الحال من ضمير { يقذفون } ، أي يقذفون وهم غائبون عن المقذوف من مكان بعيد .
و { مكان بعيد } هنا مستعمل في حقيقته يعني من الدنيا ، وهي مكان بعيد عن الآخرة للاستغناء عن استعارته لِما لا يشاهد منه بقوله : { بالغيب } كما علمت فتعين للحقيقة لأنها الأصل ، وبذلك فليس بين لفظ { بعيد } المذكور هنا والذي في قوله : { وأنى لهم التناوش من مكان بعيد } ما يشبه الإِيطاء لاختلاف الكلمتين بالمجاز والحقيقة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.