فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَدۡ كَفَرُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۖ وَيَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَيۡبِ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (53)

وجملة { وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ } في محل نصب على الحال ، أي والحال أن قد كفروا بما آمنوا به الآن من قبل هذا الوقت ، وذلك حال كونهم في الدنيا . قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، والأعمش : ( التناؤش ) بالهمز ، وقرأ الباقون بالواو ، واستبعد أبو عبيد ، والنحاس القراءة الأولى ، ولا وجه للاستبعاد ، فقد ثبت ذلك في لغة العرب وأشعارها ، ومنه قول الشاعر :

قعدت زماناً عن طلابك للعلا *** وجئت نئيشاً بعد ما فاتك الخير

أي : وجئت أخيراً . قال الفراء : الهمز وترك الهمز متقارب { وَيَقْذِفُونَ بالغيب } أي يرمون بالظنّ ، فيقولون : لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } أي من جهة بعيدة ليس فيها مستند لظنهم الباطل .

وقيل المعنى : يقولون في القرآن أقوال باطلة : إنه سحر وشعر وأساطير الأوّلين . وقيل : يقولون في محمد إنه ساحر شاعر كاهن مجنون . وقرأ أبو حيوة ، ومجاهد ، ومحبوب عن أبي عمرو : ( يقذفون ) مبنياً للمفعول ، أي يرجمون بما يسوؤهم من جراء أعمالهم من حيث لا يحتسبون ، وفيه تمثيل لحالهم بحال من يرمي شيئاً لا يراه من مكان بعيد لا مجال للوهم في لحوقه ، والجملة إما معطوفة على : { وقد كفروا به } على أنها حكاية للحال الماضية ، واستحضار لصورتها ، أو مستأنفة لبيان تمثيل حالهم .

/خ54