فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَدۡ كَفَرُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۖ وَيَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَيۡبِ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (53)

{ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ } أي والحال أن قد كفروا بما آمنوا به من قبل هذا الوقت وذلك حال كونهم في الدنيا . قيل : بالقرآن ، وقيل : بمحمد صلى الله عليه وسلم من قبل أن يعاينوا العذاب وأهوال القيامة .

{ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ } أي يؤمنون بالظن ويتكلمون بما لم يظهر لهم في الرسول من المطاعن أو في العذاب من البت على نفيه ، فيقولون : لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي من جهة بعيدة ليس فيها مستند لظنهم الباطل ، وهو الشبه التي تمحلوها في أمر الآخرة كما حكاه من قبل وقيل : المعنى يقولون في القرآن أقوالا باطلة : إنه سحر وشعر وأساطير الأولين ، وقيل : يقولون في محمد صلى الله عليه وسلم : إنه ساحر شاعر كاهن مجنون ، قرئ : يقذفون مبنيا للمفعول أي يرجمون بما يسؤوهم من جزاء أعمالهم من حيث لا يحتسبون ، وفيه تمثيل لحالهم بحال من يرمي شيئا لا يراه من مكان بعيد لا مجال للوهم في لحوقه وهذا استعارة تمثيلية والجملة إما معطوفة على { وقد كفرو ا به } على أنها حكاية للحال الماضية ، واستحضار لصورتها ، أو مستأنفة لبيان تمثيل حالهم .