البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَدۡ كَفَرُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۖ وَيَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَيۡبِ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (53)

{ وقد كفروا به } : الضمير في به عائد على ما عاد عليه { آمنا به } على الأقوال ، والجملة حالية ، و { من قبل } نزول العذاب .

وقرأ الجمهور : { ويقذفون } مبنياً للفاعل ، حكاية حال متقدّمة .

قال الحسن : قولهم لا جنة ولا نار ، وزاد قتادة : ولا بعث ولا نار .

وقال ابن زيد : طاعنين في القرآن بقولهم : { أساطير الأوّلين } وقال مجاهد في الرسول صلى الله عليه وسلم ، بقولهم : شاعر وساحر وكاهن .

{ من مكان بعيد } : أي في جهة بعيدة ، لأن نسبته إلى شيء من ذلك من أبعد الأشياء .

قال الزمخشري : وهذا تكلم بالغيب والأمر الخفي ، لأنهم لم يشاهدوا منه سحراً ولا شعراً ولا كذباً ، وقد أتوا بهذا الغيب من جهة بعيدة من حاله ، لأن أبعد شيء مما جاء به الشعر والسحر ، وأبعد شيء من عادته التي عرفت بينهم وجربت الكذب والزور . انتهى .

وقيل : هو مستأنف ، أي يتلفظون بكلمة الإيمان حين لا ينفع نفسها إيمانها ، فمثلت حالهم في طلبهم تحصيل ما عطلوه من الإيمان في الدنيا بقولهم : آمنا في الآخرة ، وذلك مطلب مستبعد ممن يقذف شيئاً من مكان بعيد لا مجال للنظر في لحوقه ، حيث يريد أن يقع فيه لكونه غائباً عنه بعيداً .

والغيب : الشيء الغائب .

وقرأ مجاهد ، وأبو حيوة ، ومحبوب عن أبي عمرو : ويقذفون ، مبنياً للمفعول .

قال مجاهد : ويرجمهم بما يكرهون من السماء .

وقال أبو الفضل الرازي : يرمون بالغيب من حيث لا يعلمون ، ومعناه : يجازون بسوء أعمالهم ، ولا علم لهم بما أتاه ، إما في حال تعذر التوبة عند معاينة الموت ، وإما في الآخرة .

وقال الزمخشري : أي يأتيهم به ، يعني بالغيب ، شياطينهم ويلقنونهم إياهم .

وقيل : يرمون في النار ؛ وقيل : هو مثل ، لأن من ينادي من مكان بعيد لا يسمع ، أي هم لا يعقلون ولا يسمعون .