قوله تعالى : { لهم دار السلام عند ربهم } ، يعني : الجنة . قال أكثر المفسرين : السلام هو الله ، وداره الجنة ، وقيل : السلام هو السلامة ، أي : لهم دار السلامة من الآفات ، وهي الجنة ، وسميت دار السلام لأن كل من دخلها سلم من البلايا والرزايا . وقيل : سميت بذلك لأن جميع حالاتها مقرونة بالسلام ، يقال في الابتداء : { ادخلوها بسلام آمنين } [ الحجر : 46 ] { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } [ الرعد :23 ] ، وقال : { لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما } [ الواقعة ، 26 ] ، وقال : { تحيتهم فيها سلام } [ إبراهيم :23 ] . { سلام قولاً من رب رحيم } [ يس :58 ]
قوله تعالى : { وهو وليهم بما كانوا يعملون } ، قال الحسين بن الفضل : يتولاهم في الدنيا بالتوفيق ، وفي الآخرة بالجزاء .
ثم بين - سبحانه - ما أعده للمتذكرين فقال : { لَهُمْ دَارُ . . . } .
أى : أن هؤلاء المتذكرين المتقين لهم جنة عرضها السموات والأرض فى جوار ربهم وكفالته ، وهو - سبحانه - { وَلِيُّهُمْ } أى : متولى إيصال الخير إليهم ، أو محبهم أو ناصرهم بسبب أعمالهم الصالحة . وسميت الجنة بدار السلام ، لأن جميع حالاتها مقرونة بالسالمة من جميع المكاره .
قال الجمل : وقوله { عِندَ رَبِّهِمْ } فى المراد بهذه العندية وجوه :
أحدها : أنها معدة عنده كما تكون الحقوق معدة مهيأة حاضرة كقوله { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } وثانيها : أن هذه العندية تشعر بأن هذا الأمر المدخر موصوف بالقرب من الله بالشرف والرتبة لا بالمكان والجهة لتنزهه - تعالى - عنهما .
وثالثهما : هى كقوله - تعالى - فى صفة الملائكة { وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } وقوله : أنا عند المنكسر قلوبهم وأنا عند ظن عبدى بى " .
ثم بين - سبحانه - جانبا من أحوال الظالمين يوم القيامة عند ما يقفون أمام ربهم للحساب فقال : { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَامَعْشَرَ الجن قَدِ استكثرتم مِّنَ الإنس وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإنس } .
ففى هذه الآيات عرض مؤثر زاخر بالحوار والاعتراف والمناقشة والحكم تحكيه السورة الكريمة وهى تصور مشاهد المجرمين يوم القيامة .
{ لَهُمْ دَارُ السَّلامِ } وهي : الجنة ، { عِنْدَ رَبِّهِمْ } أي : يوم القيامة . وإنما وصف الله الجنة هاهنا بدار السلام لسلامتهم فيما سلكوه من الصراط المستقيم ، المقتفي أثر الأنبياء وطرائقهم ، فكما سلموا من آفات الاعوجاج أفْضَوا إلى دار السلام .
{ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ } أي : والسلام - وهو الله - وليهم ، أي : حافظهم وناصرهم ومؤيدهم ، { بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي : جزاء [ على ]{[11213]} أعمالهم الصالحة تولاهم وأثابهم الجنة ، بمنّه وكرمه .
والضمير في قوله { لهم } عائد على القوم المتذكرين و { السلام } يتجه فيه معنيان ، أحدهما أن السلام اسم من أسماء الله عز وجل فأضاف «الدار » إليه هي ملكه وخلقه ، والثاني أنه المصدر بمعنى السلامة ، كما تقول السلام عليك ، وكقوله عز وجل { تحيتهم فيها سلام }{[5094]} وقوله تعالى : { عند ربهم } يريد في الآخرة بعد الحشر ، و { وليهم } أي ولي الأنعام عليهم ، و { بما كانوا يعملون } أي مسبب ما كانوا يقدمون من الخير ويفعلون من الطاعة والبر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.