غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞لَهُمۡ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمۡۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (127)

122

ثم لما بيّن عظمة نعمته في الصراط المستقيم بيّن ما أعد وهيئ للمتذكرين فقال : { لهم دار السلام } أي دار الله يعني الجنة ، والإضافة للتشريف والتعظيم كما قيل : الكعبة بيت الله : أو دار السلامة من كل آفة وكرب والسلام والسلامة مثل : الضلال والضلالة والرضاع والرضاعة كلاهما مصدر . وقيل : السلام جمع السلامة لأن أنواع السلامة حاصلة في الجنة . ومعنى { عند ربهم } أنها معدة عنده وفي ضمانه كما يقال لفلان عندي حق لا ينسى وذلك نهاية في بيان وصولهم إليها وكونهم على ثقة من حصولها { وهو وليهم } أي قريب منهم بالرحمة والرضوان أو مواليهم ومحبهم أو ناصرهم على أعدائهم ، وذلك أن القوم قد عرفوا أن المدبر والمقدر ليس إلا هو جل جلاله ، وأن النافع والضار ليس إلا هو سبحانه ، فانقطعوا عن كل ما سواه فما كان رجوعهم إلا إليه ، وما كان توكلهم إلا عليه ، ولم يكن أنسهم إلا به ، فلما صاروا بالكلية له لا جرم قال سبحانه : { وهو وليهم } على أنه متكفل لجميع مصالحهم ديناً ودنيا . ثم قال : { بما كانوا يعملون } أي بسبب أعمالهم ، أو متوليهم بجزاء ما كانوا يعملون لئلا يقطعوا العمل ولا يتكلوا ، وذلك أن بين النفس والبدن تعلقاً شديداً وكما أن الهيئات النفسانية قد تؤثر في البدن كحمرة الخجل وصفرة الوجل فالهيئات البدنية قد تصعد من البدن إلى النفس ، فإذا واظب الإنسان على أعمال الخير ظهرت الآثار المناسبة لها في جوهر النفس فلا بد للسالك من العمل بعد كمال العلم والمعرفة .

/خ130