المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

15- أعطلت إرادتنا أو عوَّقت قدرتنا فعجزنا عن الخلق الأول فلا نستطيع إعادتهم ؟ ! لم نعجز باعترافهم ، بل هم في ريب وشبهة من خلق جديد بعد الموت .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

قوله تعالى : { أفعيينا بالخلق الأول } يعني : أعجزنا حين خلقناهم أولاً فنعجز بالإعادة . وهذا تقرير لهم لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث ، ويقال لكل من عجز عن شيء : عيي به . { بل هم في لبس } أي : في شك ، { من خلق جديد } وهو البعث .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

وبعد هذا العرض لمصارع المكذبين ، عادت السورة إلى تقرير الحقيقة التى كفر بها الجاهلون والجاحدون ، وهى أن البعث حق ، فقال - تعالى - : { أَفَعَيِينَا بالخلق الأول بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } والاستفهام للإِنكار والنفى ، وقوله { عَيِينَا } من العى بمعنى العجز . يقال : عَيِىَ فلان بهذا الشئ ، إذا عجز عنه ، وانقطعت حيلته فيه ، ولم يهتد إلى طريقه توصله إلى مقصوده منه .

واللبس : الخلط . يقال : لبس على فلان الأمر - من باب ضرب - إذا اشتبه واختلط عليه ، ولم يستطع التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ .

أى : أفعجزت قدرتنا عن خلق هؤلاء الكافرين وإيجادهم من العدم ، حتى يتوهموا أننا عاجزون عن إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم ؟

كلا إننا لم نعجز عن شئ من ذلك لأن قدرتنا لا يعجزنا شئ ، ولكن هؤلاء الكافرين لانطماس بصائرهم ، واستيلاء الشيطان عليهم ، قد صاروا فى لبس وخلط من أمرهم ، بدليل أنهم يقرون بأننا نحن الذين خلقناهم ولم يكونوا شيئا مذكورا ، ومع ذلك فهم ينكرون قدرتنا على " الخلق الجديد " أى : على إعادتهم إلى الحاية الدنيا مرة أخرى بعد موتهم .

فقوله - تعالى - : { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } أى : بل إن هؤلاء الكافرين فى خلط وشك وحيرة من أن يكون هناك خلق جديد أى خلق مستأنف لهم بعد موتهم ، مع أنهم - لو كانوا يعقلون - لعلموا أن القادر على الخلق من العدم ، قادر على إعادة هذا المخلوق من باب أولى ، كما قال - سبحانه - : { وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ . . } قال الآلوسى : وقوله : { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } عطف على مقدر يدل عليه ما قبله ، كأن قيل : إنهم معترفون بالأول غير منكرين قدرتنا عليه ، فلا وجه لإِنكارهم الثانى ، بل هم فى خلط وشبهة فى خلق مستأنف .

وقال بعض العلماء ما ملخصه : فى الآية أسئلة ثلاثة : لم عرف الخلق الأول ؟ ولم نكر اللبس ؟ ولم نكر الخلق الجديد ؟

وللإِجابة على ذلك نقول : عرف الخلق الأول للتعميم والتهويل والتفخيم ومنه تعريف الذكور فى قوله

{ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور } وأما التنكير فأمره منقسم ، فأحيانا يقصد به التفخيم ، من حيث ما فيه من الإِبهام . . وهو المقصود هنا من تنكير لفظ { لبس } . كأنه قيل : بل هم فى لبس أى لبس .

وأحيانا يقصد به التقليل والتهوين لأمره ، وهو المقصود هنا بقوله من { خَلْقٍ جَدِيدٍ } أى : أن هذا الخلق الجديد شئ هين بالنسبة إلى الخلق الأول ، وإن كان كل شئ هين بالنسبة إلى قدرة الله - تعالى - .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

وقوله : { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأوَّلِ } أي : أفأعجزنا{[27280]} ابتداء الخلق حتى هم في شك من الإعادة ، { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } والمعنى : أن ابتداء الخلق لم يعجزنا والإعادة أسهل منه ، كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، وقال الله تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [ يس : 78 - 79 ] ، وقد تقدم في الصحيح : " يقول الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ، يقول : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته " {[27281]} .


[27280]:- (5) في م: "فأعجزنا".
[27281]:- (6) صحيح البخاري برقم (4974) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأوّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } .

وهذا تقريع من الله لمشركي قريش الذين قالوا : أئِذَا مِتْنَا وكُنّا تُرَابا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ يقول لهم جلّ ثناؤه : أفعيينا بابتداع الخلق الأوّل الذي خلقناه ، ولم يكن شيئا فنعيا بإعادتهم خلقا جديدا بعد بلائهم في التراب ، وبعد فنائهم يقول : ليس يعيينا ذلك ، بل نحن عليه قادرون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أفَعَيِينا بالخَلْقِ الأوّلِ يقول : لم يعينا الخلق الأوّل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : أفَعَيِينا بالخَلْقِ الأوّلِ يقول : أفعيي علينا حين أنشأناكم خلقا جديدا ، فتمتروا بالبعث .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي ميسرة أفَعَيِينا بالخَلْقِ الأوّلِ قال : إنا خلقناكم .

وقوله : بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ يقول تعالى ذكره : ما يشكّ هؤلاء المشركون المكذّبون بالبعث أنا لم نعي بالخلق الأوّل ، ولكنهم في شكّ من قُدرتنا على أن نخلقهم خلقا جديدا بعد فنائهم ، وبَلائهم في قبورهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ؟ يقول : في شكّ من البعث .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي ميسرة بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ قال : الكفار مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ قال : أن يخلقوا من بعد الموت .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ : أي شكّ والخلق الجديد : البعث بعد الموت ، فصار الناس فيه رجلين : مكذّب ، ومصدّق .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ قال : البعث من بعد الموت .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

{ أفعيينا بالخلق الأول } أي أفعجزنا عن الإبداء حتى نعجز عن الإعادة ، من عيي بالأمر إذا لم يهتد لوجه عمله والهمزة فيه للإنكار . { بل هم في لبس من خلق جديد } أي هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأول بل هم في خلط ، وشبهة في خلق مستأنف لما فيه من مخالفة العادة ، وتنكير الخلق الجديد لتعظيم شأنه والإشعار بأنه على وجه غير متعارف ولا معتاد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

وقوله تعالى : { أفعيينا } توقيف للكفار وتوبيخ وإقامة للحجة الواضحة عليهم ، وذلك أن جوابهم على هذا التوقيف هو لم يقع عي ، ثم هم مع ذلك في لبس من الإعادة . وهذا تناقض ، ويقال عيى يعيى إذا عجز عن الأمر ويلح به ، ويدغم هذا الفعل الماضي من هذا الفعل ولا يدغم المستقبل منه فيقال عي ، ومنه قول الشاعر [ عبيد بن الأبرص ] :

عيوا بأمرهم كما . . . عيت ببيضتها الحمامه{[10525]}

و «الخلق الأول » إنشاء الإنسان من نطفة على التدريج الملعوم ، وقال الحسن : «الخلق الأول » آدم عليه السلام ، حكاه الرماني ، واللبس : الشك والريب واختلاط النظر . والخلق الجديد : البعث في القبور .


[10525]:هذا البيت لعبيد بن الأبرص الأسدي، وهو من قصيدة أنشدها أمام حُجر يصف حال قومه بعد أن أذلهم حُجر وجعلهم عبيد العصا، وهو في اللسان، ويروى: برمت بنو أسد كما برمت ببيضتها الحمامه والبيت هنا كما في اللسان شاهد على أن الإدغام أكثر من التخفيف في (عيي)، يقال: عيَّ بأمره وعيي إذا لم يهتد إلى الصواب.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

تشير فاء التفريع إلى أن هذا الكلام مفرع على ما قبله وهو جملة { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها } [ ق : 6 ] وقوله : { تبصرة وذكرى } [ ق : 8 ] المعرض بأنهم لم يتبصروا به ولم يتذكروا . وقوله : { فأنبتنا به جنات } [ ق : 9 ] وقوله : { وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج } [ ق : 11 ] .

ويجوز أن يجعل تفريعاً على قوله : { كذلك الخروج } .

والاستفهام المفرَّع بالفاء استفهام إنكار وتغليط لأنهم لا يسعهم إلاّ الاعتراف بأن الله لم يعي بالخلق الأول إذ لا ينكر عاقل كمال قدرة الخالق وعدم عجزه .

و { عيينا } معناه عجزنا ، وفعِل ( عَيَّ ) إذا لم يتصل به ضمير يقال مُدغماً وهو الأكثر ويقال : عيِيَ بالفك فإذا اتصل به ضمير تعين الفك . ومعناه : عجز عن إتقان فعل ولم يهتد لحيلته . ويعدّى بالباء يقال : عيي بالأمر والباء فيه للمجاوزة . وأما أعيا بالهمزة في أوله قاصراً فهو للتعب بمشي أو حمل ثقل وهو فعل قاصر لا يُعدّى بالباء . فالمعنى : ما عجزنا عن الخلق الأول للإنسان فكيف تعجز عن إعادة خلقه .

و { بل } في قوله : { بل هم في لبس من خلق جديد } للإضراب الإبطالي عن المستفهم عنه ، أي بل ما عيينا بالخلق الأول ، أي وهم يعلمون ذلك ويعلمون أن الخلق الأول للأشياء أعظم من إعادة خلق الأموات ولكنهم تمكن منهم اللبس الشديد فأغشى إدراكهم عن دلائل الإمكان فأحالوه ، فالإضراب على أصله من الإبطال .

واللبس : الخلط للأشياء المختلفة الحقائق بحيث يعسر أو يتعذر معه تمييز مختلفاتها بعضها عن بعض . والمراد منه اشتباه المألوف المعتاد الذي لا يعرفون غير بالواجب العقلي الذي لا يجوز انتفاؤه ، فإنهم اشتبه عليهم إحياء الموتى وهو ممكن عقلاً بالأمر المستحيل في العقل فجزموا بنفي إمكانه فنفوه ، وتركوا القياس بأن من قدر على إنشاء ما لم يكن موجوداً هو على إعادة ما كان موجوداً أقدر .

وجيء بالجملة الاسمية من قوله : { هم في لبس من خلق جديد } للدلالة على ثبات هذا الحكم لهم وأنه متمكن من نفوسهم لا يفارقهم البتة ، وليتأتّى اجتلاب حرف الظرفية في الخبر فيدل على انغماسهم في هذا اللبس وإحاطته بهم إحاطة الظرف بالمظروف .

و { مِن } في قوله : { من خلق جديد } ابتدائيه وهي صفة ل { لبس } ، أي لبس واصل إليهم ومنجرّ عن خلق جديد ، أي من لَبْس من التصديق به .

وتنكير { لَبْس } للنوعية وتنكير { خلق جديد } كذلك ، أي ما هو إلا خلق من جملة ما يقع من خلق الله الأشياء مما وجه إحالته ولتنكيره أجريت عليه الصفة ب { جديد } .

والجديد : الشيء الذي في أول أزمان وجوده .

وفي هذا الوصف تورّك عليهم وتحميق لهم من إحالتهم البعث ، أي اجْعَلوه خلقاً جديدا كالخلق الأول ، وأيّ فارق بينهما .

وفي تسمية إعادة الناس للبعث باسم الخلق إيماء إلى أنها إعادة بعد عدم الأجزاء لا جمع لمتفرقها ، وقد مضى القول فيه في أول السورة .