محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَفَعَيِينَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِي لَبۡسٖ مِّنۡ خَلۡقٖ جَدِيدٖ} (15)

{ أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد 15 } .

{ أفعيينا بالخلق الأول } أي : أفعجزنا عن الإبداء ، حتى نعجز عن الإعادة ، فالهمزة للإنكار . قال الشهاب : العيّ هنا بمعنى العجز ، لا التعب . قال الكسائيّ : تقول ( أعييت ) من التعب و ) عييت ) من انقطاع الحيلة ، والعجز عن الأمر . وهذا هو المعروف والأفصح ، وإن لم يفرق بينهما كثير . و( الخلق الأول ) هو الإبداء على ما ذكر ، ويحتمل أن يراد به خلق السماوات والأرض ، لأن خلق الإنسان متأخر عنه . ويدل له آية {[6720]} { أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن . . . } الآية .

وقوله { بل هم في لبس من خلق جديد } . عطف على مقدر ، يدل عليه ما قبله ، / كأنه قيل : هم معترفون بالخلق الأول ، فلا وجه لإنكارهم للثاني ، بل هم اختلط عليهم الأمر والتبس ، لعدم فهمهم إعادة ما مات وتفرق أجزاؤه وإعراضهم عن سلطان القدرة الإلهية ، وسهولة ذلك في المقدورات الربانية .

لطيفة :

قال الناصر : في الآية أسئلة ثلاثة : لِمَ عرَّف الخلق الأول ، ونكَّر اللبس ، والخلق الجديد ؟

فاعلم : أن التعريف لا غرض منه إلا تفخيم ما قصد تعريفه وتعظيمه ، ومنه تعريف الذكور في قوله :{[6721]} { ويهب لمن يشاء الذكور } ، ولهذا المقصد عرف الخلق الأول ، لأن الغرض جعله دليلا على إمكان الخلق الثاني بطريق الأولى . أي إذا لم يَعْيَ تعالى بالخلق الأول ، على عظمته ، فالخلق الآخر أولى أن لا يعي به . فهذا سر تعريف الخلق الأول .

وأما التنكير فأمره منقسم : فمرة يقصد به تفخيم المنكر ، من حيث ما فيه من الإبهام ، كأنه أفخم من أن يخاطبه معرفة . ومرة يقصد به التقليل من المنكر ، والوضع منه . وعلى الأول{[6722]} { سلام قولا من رب رحيم } وقوله : {[6723]} { لهم مغفرة وأجر عظيم } ، و{[6724]} { وإن المتقين في جنات ونعيم } ، وهو أكثر من أن يحصى . والثاني : هو الأصل في التنكير ، فلا يحتاج إلى تمثيله . فتنكير ( اللبس ) من التعظيم والتفخيم ، كأنه قال : في لبس أيّ لبس . وتنكير ( الخلق الجديد ) للتقليل منه ، والتهوين لأمره ، بالنسبة إلى الخلق الأول . ويحتمل أن يكون للتفخيم ، كأنه أمر أعظم من أن يرضى الإنسان بكونه ملتبسا عليه ، مع أنه أول ما تبصر فيه صحته . انتهى .


[6720]:[46/ الأحقاف/ 33].
[6721]:[42/ الشورى/ 49].
[6722]:[36/يس/ 85].
[6723]:[5/ المائدة/ 9] و[49/ الحجرات /3].
[6724]:[53/ الطور/ 17].