المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (21)

21- إن الذين يجحدون آيات الله الكونية والمنزَّلة ، ويقتلون من بعثهم الله لهدايتهم من الأنبياء ، ظلماً بغير حق ، ويقتلون دعاة الناس إلى القسط والعدل يستحقون العذاب الأليم فبشرهم به .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (21)

قوله تعالى : { إن الذين يكفرون بآيات الله } . يجحدون بآيات الله يعني القرآن ، وهم اليهود والنصارى .

قوله تعالى : { ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس } . قرأ حمزة : ويقاتلون الذين يأمرون بالألف . قال : ابن جريح : كان الوحي يأتي على أنبياء بني إسرائيل ولم يكن يأتيهم كتاب الله ، فيذكرون قومهم ، فيقتلون أنبياءهم ، فيقوم رجال ممن تبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم ، فيقتلون أيضاً ، فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا أبو عبد الله الحسين ابن محمد فنجويه الدينوري ، أنا أبو نصر منصور بن جعفر النهاوندي ، أنا أحمد بن يحيى بن الجارود ، أنا محمد بن عمرو بن حيان ، أنا محمد بن حمير ، أنا أبو الحسن مولى بني أسد عن مكحول عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة ؟ قال : " رجل قتل نبياً أو رجلاً أمر بالمعروف ونهى عن المنكر " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ) إلى أن انتهى إلى قوله ( وما لهم من ناصرين ) ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً في أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعاً في آخر النهار في ذلك اليوم ، فهم الذين ذكرهم الله في كتابه وأنزل الآية فيهم .

قوله تعالى : { فبشرهم بعذاب أليم } أخبرهم ( بعذاب أليم ) وجيع ، وإنما أدخل الفاء على الباء في خبر إن لتضمن " الذين " معنى الشرط والجزاء ، لأن تقديره الذين يكفرون ويقتلون فبشرهم ، لأنه يقال : إن زيدا فقائم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (21)

ثم انتقل القرآن إلى سرد بعض الرذائل التى عرف بها اليهود وعرف بها أسلافهم ، وبين سوء مصيرهم ومصير كل من يفعل فعلهم فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ . . } .

أنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هؤلاء المارقين بصفات ينفر منها كل عاقل وصفهم أولا بأنهم : { يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله } أى لا يكتفون بالكفر بالله - تعالى - ، بل يكفرون بالآيات المثبتة لوحدانيته ، وبالرسل الذين جاؤوهم بالهدى والحق .

ووصفهم ثانيا بأنهم { يَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ حَقٍّ } وقتل النبيين بغير حق فعل معروف عن اليهود ، فهم الذين قتلوا زكريا - عليه السلام - لأنه حاول أن يخلص ابنه يحيى -عليه السلام - من القتل وقتلوا يحيى لأنه لم يوافقهم في أهوائهم وحاولوا قتل عيسى - عليه السلام - ولكن الله تعالى نجاه من مكرهم ، وقتلوا غيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .

فإن قيل إن اليهود ما قتلوا كل الأنبياء فلم أخبر القرآن عنه أنهم يقتلون النبيين ولم يقل يقتلون بعض النبيين ؟

فالجواب أنهم بقتلهم لبعض النبيين فقد استهانوا بمقام النبوة ، ومن استهان بمقام النبوة بقتله لبعض الأنبياء فكأنه قد قتل الأنبياء جميعا ، ونظير هذا قوله - تعالى - : { مِنْ أَجْلِ ذلك كَتَبْنَا على بني إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } وقيد القتل بأنه { بِغَيْرِ حَقٍّ } مع أن قتل الأنبياء لا يكون بحق أبداً ، للتصريح بموضع الاستنكار ، لأن موضع الاستنكار هو اعتداؤهم على الحق بقتلهم الأنبياء ، وللإشارة إلى أنهم لتوغلهم في الظلم والعدوان قد صاروا أعداء للحق لا يألفونه ولا تميل إليه نفوسهم ، وللتسجيل عليهم أن هذا القتل للأنبياء كان مخالفاً لما في شريعتهم فإنها قد نهتهم عن قتلهم ، بل عن مخالفتهم . فهذا القيد من باب الاحتجاج عليهم بما نهت عنه شريعتهم لتخليد مذمتهم في كل زمان ومكان .

وقال - سبحانه - { بِغَيْرِ حَقٍّ } بصيغة التنكير ، لعموم النفي ، بحيث يتناول الحق الثابت ، والحق المزعوم ، أى أنهم لم يكونوا معذروين بأي لون من ألوان العذر في هذا الاعتداء فقد أقدموا على ما أقدموا عليه وهم يعلمون أنهم على الباطل ، فكان فعلهم هذا إجراما في بواعثه وفي حقيقته ، وأفظع أنواع الإجرام في موضوعه .

وقوله { بِغَيْرِ حَقٍّ } في موضع الحال المؤكدة لمضمون جملة { يَقْتُلُونَ النبيين } إذ لا يكون قتل النبيين إلا كذلك .

ووصفهم ثالثا بأنهم { وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط مِنَ الناس } .

والقسط : العدل . يقال : قسَط يقسِط ويقسُط قِسطا ، وأقسط إقساطا إذا عدل .

أى : لا يكتفون بقتل النبيين الذين جاءوا لهدايتهم وسعادتهم ، وإنما يقتلون مع ذلك الذين يأمرونهم بالعدل من مرشديهم ونصحائهم .

وفي قوله { مِنَ الناس } إشارة إلى أنهم ليسوا بأنبياء ، بل من الناس غير المبعوثين .

وفي قرنهم بالأنبياء ، وإثبات أن الاعتداء عليهم قرين الاعتداء على الأنبياء ، إشارة إلى بيان علو منزلتهم ، وأنهم ورثتهم الذين يدعون بدعوتهم .

وعبر عن جرائمهم بصيغة الفعل المضارع - يكفرون ويقتلون لاستحضار صورة أفعالهم الشنيعة في أذهان المخاطبين ، ولإفادة أن أفعالهم هذه متجددة كلما استطاعوا إليها سبيلا ، وللإشعار بأن اليهود المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم كانوا راضين بفعل آبائهم وأسلافهم ، ولقد حاول اليهود في العهد النبوى أن يقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الله - تعالى - نجاه من شرورهم .

هذا ، وقد وردت آثار متعددة تصرح بأن اليهود قد دأبوا على قتل الأنبياء والمصلحين ، ومن ذلك ما جاء عن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال :

" قلت يا رسول الله : أي الناس أشد عذابا يوم القيامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا ، أو قتل من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله } الآية . ثم قال : يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة وسبعون رجلا منهم فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعاً من آخر النهار في ذلك اليوم " " .

هذه بعض جرائمهم فماذا كانت نتيجتها ؟ كانت نتيجتها العذاب الأليم الذى أخبرهم الله به في قوله { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } .

والجملة الكريمة خبر إن ، وجاز دخول الفاء على خبرها لتضمن اسمها وهو { الذين } معنى الشرط في العموم .

وحقيقة التبشير : الإبخار بما يظهر سرور المخبر - بفتح الباء - على بشرة وجهه ، وهو هنا مستعمل فى ضد حقيقته على سبيل التهكم بهم ، وذلك لأن هؤلاء المعتدين مع أنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياءه وأولياءه ، وفعلوا ما فعلوا من منكرات ، مع كل ذلك زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه ، فساق لهم القرآن ما يخبرهم به على سبيل الاستهزاء بعقولهم أن بشارتهم التى يرتقبونها بسبب كفرهم ودعواهم الباطلة هي : العذاب الأليم .

واستعمال اللفظ في ضده عند علماء البيان من باب الاستعارة التهكمية ، لأن تشبيه الشىء بضده لا يروج في عقل العقلاء إلى على معنى التهكم والاستهزاء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (21)

هذا ذم من الله تعالى لأهل الكتاب فيما ارتكبوه من المآثم والمحارم في تكذيبهم بآيات الله قديما وحديثا ، التي بلغتهم إياها الرسل ، استكبارًا عليهم وعنادًا لهم ، وتعاظما على الحق واستنكافا عن اتباعه ، ومع هذا قتلوا من قتلوا من النبيين حين بلغوهم عن الله شرعه ، بغير سبب ولا جريمة منهم إليهم ، إلا لكونهم دعوهم إلى الحقّ { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ } وهذا هو غاية الكبر ، كما قال النبي{[4919]} صلى الله عليه وسلم : " الْكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْط النَّاسِ " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو الزُّبَيْر الحسن بن علي بن مسلم النيسابوري ، نزيل مكة ، حدثني أبو حفص عمر بن حفص - يعني ابن ثابت بن زرارة الأنصاري - حدثنا محمد بن حمزة ، حدثني أبو الحسن مولى لبني أسد ، عن مكحول ، عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي ، عن أبي عبيدة بن الجراح ، رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ، أي الناس أشد عذابا يوم القيامة ؟ قال : " رَجلٌ قَتَلَ نَبِيا أوْ مَنْ أمر بِالمْعْرُوفِ ونَهَى عَنِ المُنْكَر " . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ إلى قوله : { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } ]{[4920]} الآية . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبَا عُبَيَدَةَ ، قَتَلَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ ثَلاثَةً وأَرْبَعين نَبيا ، من أوَّلِ النّهَارِ في ساعةٍ وَاحِدَةٍ ، فَقَامَ مِائَة{[4921]} وسَبْعُونَ رَجُلا مِنْ بَني إسْرائيلَ ، فأمَرُوا مَنْ قَتَلَهُم بالْمَعْرُوفِ ونَهَوْهُمْ عَنِ المنكرِ ، فقتلوا جَمِيعًا مِنْ آخِرِ النَّهارِ مِنْ ذَلكَ اليَوْمِ ، فَهُم الذِينَ ذَكَرَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ " .

وهكذا رواه ابن جرير عن أبي عبيد الوصّابي محمد بن حفص ، عن ابن حُمَيْر ، عن أبي الحسن مولى بني أسد ، عن مكحول ، به{[4922]} .

وعن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قتلت بنو إسرائيل ثلاثمائة نبي من أول النهار ، وأقاموا سوق بَقْلِهِمْ من آخره . رواه ابن أبي حاتم . ولهذا لما أن تكبروا عن الحق واستكبروا على الخلق ، قابلهم الله على ذلك بالذلة والصغار في الدنيا والعذاب المهين في الآخرة ، فقال : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي : موجع مهين .


[4919]:في جـ، ر، أ، و: "رسول الله".
[4920]:زيادة من جـ، ر، أ، و.
[4921]:في جـ، ر، أ، و: "مائة رجل".
[4922]:ابن أبي حاتم في تفسيره (1/161) والطبري في تفسيره (6/285) وأبو عبيد الوصابي لم يدرك محمد بن حمير كما ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وقد توبع أبو عبيد، تابعه عبد الوهاب بن نجدة، فرواه البزار من طريق عبد الوهاب بن نجدة عن محمد ابن حمير به.ثم قال البزار: لا نعلم له عن أبي عبيدة غير هذه الطريق، ولم نسمع أحدا سمى أبا الحسن هذا الذي روى عنه محمد بن حمير. وقال الحافظ ابن حجر: "فيه أبو الحسن مولى بني أسد وهو مجهول".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (21)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولََئِكَ الّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مّن نّاصِرِينَ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : { إنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بآياتِ اللّهِ } أي يجحدون حجج الله وأعلامه فيكذّبون بها من أهل الكتابين التوراة والإنجيل . كما :

حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : ثم جمع أهل الكتابين جميعا ، وذكر ما أحدثوا وابتدعوا من اليهود والنصارى ، فقال : { إنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بآياتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ } إلى قوله : { قُلِ اللّهُمّ مالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشاءُ } .

وأما قوله : { وَيَقْتُلُوُنَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ } فإنه يعني بذلك أنهم كانوا يقتلون رسل الله الذين كانوا يرسلون إليهم بالنهي عما يأتون من معاصي الله ، وركوب ما كانوا يركبونه من الأمور التي قد تقدم الله إليهم في كتبهم بالزجر عنها ، نحو زكريا وابنه يحيى وما أشبههما من أنبياء الله .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ } .

اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه عامة أهل المدينة والحجاز والبصرة والكوفة وسائر قرّاء الأمصار : { وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ } بمعنى القتل . وقرأه بعض المتأخرين من قرّاء الكوفة : «ويقاتلون » ، بمعنى القتال تأوّلاً منه قراءة عبد الله بن مسعود ، وادّعى أن ذلك في مصحف عبد الله : «وقاتلوا » ، فقرأ الذي وصفنا أمره من القراء بذلك التأويل «ويقاتلون » .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأه : { وَيَقْتُلُونَ } لإجماع الحجة من القراء عليه به ، مع مجيء التأويل من أهل التأويل بأن ذلك تأويله . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن معقل بن أبي مسكين في قوله الله صلى الله عليه وسلم : { وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ } قال : كان الوحي يأتي إلى بني إسرائيل فيذكّرون ، ولم يكن يأتيهم كتاب ، فيُقتَلون ، فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدّقهم ، فيذكّرون قومهم فيقتلون ، فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة في قوله : { وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ } قال : هؤلاء أهل الكتاب ، كان أتباع الأنبياء ينهونهم ويذكرونهم فيقتلونهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج في قوله : { إنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بآياتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ } قال : كان ناس من بني إسرائيل ممن لم يقرأ الكتاب كان الوحي يأتي إليهم ، فيذكّرون قومهم فيقتلون على ذلك ، فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس .

حدثني أبو عبيد الرصافي محمد بن جعفر ، قال : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو الحسن مولى بني أسد ، عن مكحول ، عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي ، عن أبي عبيدة بن الجرّاح ، قال : قلت يا رسول الله ، أيّ الناس أشدّ عذابا يوم القيامة ؟ قال : «رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيّا ، أوْ رَجُلٌ أمَرَ بالمُنْكَرِ وَنَهَى عَنِ المَعْرُوفِ » . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الّذِينَ يَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ » إلى أن انتهى إلى : { وَما لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا عُبَيْدَةَ قَتَلَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ ثَلاَثَةً وَأرْبَعِينَ نَبِيّا مِنْ أَوّلِ النّهارِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةً ، فَقَامَ مِائَةُ رَجُلٍ وَاثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مِنْ عُبّادِ بَنِي إسْرَائِيلَ ، فأمَرُوا مَنْ قَتَلَهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَنِ المُنْكَرِ فَقُتِلُوا جَمِيعا مِنْ آخِرِ النّهَارِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ، وَهُمُ الّذِينَ ذَكَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ » .

فتأويل الاَية إذا : إن الذين يكفرون بآيات الله ، ويقتلون النبيين بغير حقّ ، ويقتلون آمريهم بالعدل في أمر الله ونهيه ، الذين ينهونهم عن قتل أنبياء الله وركوب معاصيه .

القول في تأويل قوله تعالى : { فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ أُولَئِكَ الّذِينَ حَبِطَتْ أعْمَالُهُمْ فِي الدّنْيا وَالاَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } .

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ } فأخبرهم يا محمد ، وأعلمهم أن لهم عند الله عذابا مؤلما لهم ، وهو الموجع .