{ وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك } دون الصالحين ، { كنا طرائق قددا } أي : جماعات متفرقين وأصنافاً مختلفة ، والقدة : القطعة من الشيء ، يقال : صار القوم قدداً إذا اختلفت حالاتهم ، وأصلها من القد وهو القطع . قال مجاهد : يعنون : مسلمين وكافرين . وقيل : ذوو أهواء مختلفة ، وقال الحسن والسدي : الجن أمثالكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة . وقال ابن كيسان : شيعاً وفرقاً لكل فرقة هوى كأهواء الناس . وقال سعيد بن جبير : ألواناً شتى ، وقال أبو عبيدة : أصنافاً .
ثم حكى - سبحانه - ما قالوه فى وصف حالهم وواقعهم فقال : { وَأَنَّا مِنَّا الصالحون . . . } أى : منا الموصوفون بالصلاح والتقوى . . وهم الذين آمنوا بالله - تعالى - إيمانا حقا ، ولم يشركوا معه فى العبادة أحدا . .
{ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } أى : ومنا قوم دون ذلك فى الصلاح والتقوى . . وهم الذين فسقوا عن أمر ربهم ، ولم يستقيموا على صراطه ودينه .
وقوله : { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } تشبيه بليغ . والطرائق : جمع طريقة ، وهى الحالة والمذهب .
وقددا : جمع قِدَّة ، وهى الفرقة والجماعة من الناس ، الذين تفرقت مشاربهم وأهواؤهم .
والجملة الكريمة بيان وتفسير لما قبلها .
أى : وأنا من واقع أمرنا منا الصالحون الأخيار . . ومنا من درجته ورتبته أقل من ذلك بكثير أو بقليل . . فنحن فى حياتنا كنا قبل سماعنا للقرآن كالمذاهب المختلفة فى حسنها وقبحها ، وكالطرق المتعددة فى استقامتها واعوجاجها . . أما الآن فقد وفقنا الله - تعالى - إلى الإِيمان به ، وإلى إخلاص العبادة له . .
ومن وجوه البلاغة فى الآية الكريمة ، أنهم قالوا : { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } ، ليشمل التعبير من هم دون الكمال فى الصلاح ، ومن هم قد انحدروا فى الشرور والآثام إلى درجة كبيرة ، وهم الأشرار .
والمقصود به الآية الكريمة ، مدح الصالحين ، وذم الصالحين ، ودعوتهم إلى الاقتداء بأهل الصلاح والتقوى والإِيمان .
يقول مخبرا عن الجن : أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم : { وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } أي : غير ذلك ، { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } أي : طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة .
قال ابن عباس ، ومجاهد وغير واحد : { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } أي : منا المؤمن ومنا الكافر .
وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه ، حدثنا أسلم بن سهل بحشل ، حدثنا علي بن الحسن بن سليمان - هو أبو الشعثاء الحضرمي ، شيخ مسلم - حدثنا أبو معاوية{[29374]} قال : سمعتُ الأعمش يقول : تروح إلينا جني ، فقلت له : ما أحب الطعام إليكم ؟ فقال : الأرز . قال : فأتيناهم به ، فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحدا . فقلت : فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال : نعم . قلت : فما الرافضة فيكم{[29375]} ؟ قال {[29376]} شرنا . عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المِزِّي فقال : هذا إسناد صحيح إلى الأعمش .
وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال{[29377]} سمعتُ بعض الجَنّ وأنا في منزل لي بالليل ينشد :
قُلوبٌ بَرَاها الحبّ حَتى تعلَّقت *** مَذَاهبُها في كُلّ غَرب وشَارقِ
تَهيم بحب الله ، واللهُ رَبُّها *** مُعَلَّقةٌ بالله دُونَ الخَلائقِ{[29378]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.