المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا} (14)

14- وأنزلنا من السحب الممطرة ماء قوى الانصباب{[228]} .


[228]:المطر هو المصدر الوحيد للماء العذب على الأرض، والأصل في المطر تكاثف أبخرة المياه المتصاعدة من المحيطات والبحار ونحوها على شكل سحب، وتحويلها إلى نقط من الماء أو بلورات من الثلج أو هما معا، وتتساقط هذه المكونات عندما تزداد حجومها على هيئة مطر أو برد.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا} (14)

{ وأنزلنا من المعصرات } قال مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل ، والكلبي : يعني الرياح التي تعصر السحاب ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس . قال الأزهري : هي الرياح ذوات الأعاصير ، وعلى التأويل تكون { من } بمعنى الباء يعني : بالمعصرات ، وذلك أن الريح تستدر المطر . وقال أبو العالية ، والربيع ، والضحاك : المعصرات هي السحاب وهي رواية الوالبي عن ابن عباس . قال الفراء : المعصرات السحائب التي تنحلب بالمطر ولا تمطر ، كالمرأة المعصر هي التي دنا حيضها ولم تحض . وقال ابن كيسان : هي المغيثات من قوله { فيه يغاث الناس وفيه يعصرون }( يوسف-49 ) . وقال الحسن ، وسعيد بن جبير ، وزيد بن أسلم ، ومقاتل بن حيان : { من المعصرات } أي من السماوات . { ماءً ثجاجاً } أي صباباً ، وقال مجاهد : مدراراً . وقال قتادة : متتابعاً يتلو بعضه بعضاً . وقال ابن زيد : كثيراً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا} (14)

أما الدليل التاسع على قدرته - تعالى - على البعث ، فنراه فى قوله - تعالى - :

{ وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً . لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } .

والمعصرات - بضم الميم وكسر الصاد - السحب التى تحمل المطر ، جمع معصرة - بكسر الصاد - اسم فاعل ، من أعصرت السحابة إذا أوشكت على إنزال الماء لامتلائها به . .

قال ابن كثير : عن ابن عباس : " المعصرات " الرياح . لأنها تستدر المطر من السحاب . . وفى رواية عنه أن المراد بها : السحاب ، وكذا قال عكرمة . . واختاره ابن جرير . .

وقال الفراء : هى السحاب التى تتحلب بالماء ولم تمطر بعد ، كما يقال : امرأة معصر ، إذا حان حيضها ولم تحض بعد .

وعن الحسن وقتادة : المعصرات : يعنى السموات . وهذا قول غريب ، والأظهر أن المراد بها السحاب ، كما قال - تعالى - : { الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ . . . } والثجاج : المندفع بقوة وكثرة ، يقال : ثج الماء - كرد - إذا انصب بقوة وكثرة .

ومطر ثجاج ، أى : شديد الانصباب جدا .

وقوله : { أَلْفَافاً } اسم جمع لا واحد له من لفظه ، كالأوزاع للجماعات المتفرقة . وقيل : جمع لفيف ، كأشراف وشريف . أى : وأنزلنا لكم - يا بنى آدم - بقدرتنا ورحمتنا - من السحائب التى أوشكت على الإِمطار ، ماء كثيرا متدفقا بقوة ، لنخرج بهذا الماء حبا تقتاتون به - كالقمح والشعير .

. ونباتا تستعملونه لدوابكم كالتبن والكلأ ، ولنخرج بهذا الماء - أيضا - بساتين قد التفت أغصانها لتقاربها وشدة نمائها .

فهذه تسعة أدلة أقامها - سبحانه - على أن البعث حق ، وهى أدلة مشاهدة محسوسة ، لا يستطيع عاقل إنكار واحد منها . . وما دام الأمر كذلك فكيف ينكرون قدرته على البعث ، مع أنه - تعالى - قد أوجد لهم كل هذه النعم التى منها ما يتعلق بخلقهم ، ومنها ما يتعلق بالأرض والسموات ، ومنها ما يتعلق بنومهم ، وبالليل والنهار ، ومنها ما يتعلق بالشمس ، وبالسحب التى تحمل لهم الماء الذى لا يحاة لهم بدونه .

وبعد إيراد هذه الأدلة المقنعة لكل عاقل ، أكد - سبحانه - ما اختلفوا فيه ، وما تساءلوا عنه ، وبين جانبا من أماراته وعلاماته فقال : { إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ مِيقَاتاً . يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً . وَفُتِحَتِ السمآء فَكَانَتْ أَبْوَاباً . وَسُيِّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا} (14)

يدل على هذا ما بعده : ( وجعلنا سراجا وهاجا ) . . وهو الشمس المضيئة الباعثة للحرارة التي تعيش عليها الأرض وما فيها من الأحياء . والتي تؤثر كذلك في تكوين السحائب بتبخير المياه من المحيط الواسع في الأرض ورفعها إلى طبقات الجو العليا وهي المعصرات : ( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ) . . حين تعصر فتخر ويتساقط ما فيها من الماء . ومن يعصرها ? قد تكون هي الرياح . وقد يكون هو التفريغ الكهربائي في طبقات الجو . ومن وراء هذه وتلك يد القدرة التي تودع الكون هذه المؤثرات ! وفي السراج توقد وحرارة وضوء . . وهو ما يتوافر في الشمس . فاختيار كلمة( سراج )دقيق كل الدقة ومختار . .

ومن السراج الوهاج وما يكسبه من أشعة فيها ضوء وحرارة ، ومن المعصرات وما يعتصر منها من ماء ثجاج ، ينصب دفعة بعد دفعة كلما وقع التفريغ الكهربائي مرة بعد مرة ، وهو الثجاج ، من هذا الماء مع هذا الإشعاع يخرج الحب والنبات الذي يؤكل هو ذاته ، والجنات الألفاف الكثيفة الكثيرة الأشجار الملتفة الأغصان . وهذا التناسق في تصميم الكون ، لا يكون إلا ووراءه يد تنسقه ، وحكمة تقدره ، وإرادة تدبره . يدرك هذا بقلبه وحسه كل إنسان حين توجه مشاعره هذا التوجيه ، فإذا ارتقى في العلم والمعرفة تكشفت له من هذا التناسق آفاق ودرجات تذهل العقول وتحير الألباب . وتجعل القول بأن هذا كله مجرد مصادفة قولا تافها لا يستحق المناقشة . كما تجعل التهرب من مواجهة حقيقة القصد والتدبير في هذا الكون ، مجرد تعنت لا يستحق الاحترام !

إن لهذا الكون خالقا ، وإن وراء هذا الكون تدبيرا وتقديرا وتنسيقا . وتوالي هذه الحقائق والمشاهد في هذا النص القرآني على هذا النحو : من جعل الأرض مهادا والجبال أوتادا . وخلق الناس أزواجا . وجعل نومهم سباتا [ بعد الحركة والوعي والنشاط ] مع جعل الليل لباسا للستر والانزواء ، وجعل النهار معاشا للوعي والنشاط . ثم بناء السبع الشداد . وجعل السراج الوهاج .

وإنزال الماء الثجاج من المعصرات . لإنبات الحب والنبات والجنات . . توالي هذه الحقائق والمشاهد على هذا النحو يوحي بالتناسق الدقيق ، ويشي بالتدبير والتقدير ، ويشعر بالخالق الحكيم القدير . ويلمس القلب لمسات موقظة موحية بما وراء هذه الحياة من قصد وغاية . . ومن هنا يلتقي السياق بالنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا} (14)

استدلال بحالة أخرى من الأحوال التي أودعها الله تعالى في نظام الموجودات وجعلها منشأً شبَيهاً بحياة بعد شبيهٍ بموت أو اقتراب منه ومَنْشأ تَخلق موجودات من ذرات دقيقة . وتلك حالة إنزال ماء المطر من الأسحبة على الأرض فتنبت الأرض به سنابل حبّ وشجراً ، وكلأً ، وتلك كلها فيها حياة قريبة من حياة الإِنسان والحيوان وهي حياة النمَاء فيكون ذلك دليلاً للناس على تصور حالة البعث بعد الموت بدليل من التقريب الدال على إمكانه حتى تضمحل من نفوس المكابرين شُبَهُ إحالة البعث .

وهذا الذي أشير إليه هنا قد صرح به في مواضع من القرآن كقوله تعالى : { ونزَّلنا من السماء ماء مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد وأحيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج } [ ق : 9 11 ] ففي الآية استدلالان : استدلال بإنزال الماء من السحاب ، واستدلال بالإِنبات ، وفي هذا أيضاً منّة على المُعْرضِين عن النظر في دلائل صنع الله التي هي دواع لشكر المنعم بها لما فيها من منافع للناس من رزقهم ورزق أنعامهم ، ومن تنعمهم وجمال مَرَائيهم فإنهم لو شكروا المنعم بها لكانوا عندما يَبلغهم عنه أنه يدعوهم إلى النظر في الأدلة مستعدين للنظر ، بتوقع أن تكون الدعوة البالغة إليهم صَادقة العَزو إلى الله فما خفيت عنهم الدلالة .

ومناسبة الانتقال من ذكر السماوات إلى ذكر السحاب والمطر قوية .

والمعصرات : بضم الميم وكسر الصاد السحابات التي تحمل ماء المطر واحدتها مُعصرةِ اسم فاعل من : أعْصَرَتْ السحابةُ ، إذا آن لها أن تَعْصِر ، أي تُنزل إنزالاً شبيهاً بالعَصْر . فهمزة ( أعصر ) تفيد معنى الحينونة وهو استعمال موجود وتسمَّى همزة التهيئة كما في قولهم : أجَزَّ الزرعُ ، إذا حان له أن يُجزّ ( بزاي في آخره ) وأُحصد إذا حان وقت حصاده . ويظهر من كلام صاحب « الكشاف » أن همزة الحينونة تفيد معنى التهيُّؤ لقبول الفعل وتفيد معنى التهيُّؤ لإِصدار الفعل فإنه ذكر : أعْصَرتْ الجاريةُ ، أي حان وقت أن تصير تحيض ، وذكر ابن قتيبة في « أدب الكاتب » : أركَبَ المُهْرُ ، إذا حان أن يركب ، وأقطفَ الكَرْمُ ، إذا حان أن يُقطف . ثم ذكر : أقْطَفَ القومُ : حان أن يَقطِفوا كُرومهم ، وأنتجت الخيل : حان وقت نَتاجها .

وفي تفسير ابن عطية عند قوله تعالى : { ألم تر أن اللَّه يزجي سحاباً } الآية من سورة النور ( 43 ) ، والعرب تقول : إن الله تعالى إذا جعل السحاب ركاماً جاء بالريح عَصَر بعضُه بعضاً فيخرج الودق منه ، ومن ذلك قوله : وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً } ومن ذلك قول حسان :

كلتاهما حَلَب العَصير فعَاطني *** بزُجاجة أرخاهما للمفصل

أراد حَسَّانُ الخمرَ والماءَ الذي مُزجت به ، أي هذه من عصير العنب وهذه من عصير السحاب ، فسر هذا التفسير قاضي البصرة عبيد الله بن الحسن العنبري{[440]} للقومَ الذين حلف صاحبهم بالطلاق أن يسأل القاضي عن تفسير بيت حسان ا ه .

والثّجاج : المُنْصَبُّ بقوة وهو فَعَّال من ثَجّ القاصر إذا انصب ، يقال : ثجّ الماءُ ، إذا انصبّ بقوة ، فهو فِعل قاصر . وقد يسند الثجُّ إلى السحاب ، يقال : ثج السحاب يَثُجّ بضم الثاء ، إذا صَبَّ الماءَ ، فهو حينئذ فعل متعدّ .

ووصف الماء هنا بالثّجاج للامتنان .

وقد بينت حكمة إنزال المطر من السحاب بأن الله جعله لإنبات النبات من الأرض جمعاً بين الامتنان والإِيماء إلى دليل تقريب البعث ليحصل إقرارهم بالبعث وشكر الصّانع .


[440]:- ولي قضاء البصرة سنة 158 وعزل سنة 165وتوفي سنة 168. وهو الذي ينسب إليه القول بأن المجتهد لا يأثم ولو في أصول الدين إذا لم يخرج باجتهاده عن الإسلام.