تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا} (14)

الآية 14 : وقوله تعالى : { وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا } فمنهم من ذكر أن المعصرات هي السحاب التي أنشيء فيها القطر ؛ يقال للجارية التي دنت حيضتها : معصرة ، فشبه السحاب بمعاصر الجواري ، وقيل : سمي السحاب معصرا لأنه يعصر المطر ، وقيل : ذوات الأعاصير ، يعني الرياح كقوله : { فأصابها إعصار }[ البقرة : 266 ] أي ريح .

وعن الحسن : هي السماوات ، وقال الزجاج : المعصر ، هو الذي قد أتى وقت إرسال القطر منه كما يقال : مجزر لما أتى وقت جزاره{[23006]} .

ثم في إنزال الماء من المعصرات تذكير النعم والقدرة والحكمة ، وكل وجه من هذه الأوجه الثلاثة يوجب القول بالبعث .

فأما وجه تذكير النعم ، وهو أن القطر ينزل من السماء متتابعا ، ثم الله تعالى بلطفه ، يمنع اتصال بعض ببعض والتصاقه ، ويرسل كل قطرة إلى الأرض بحيالها ، وينزل بعضها على إثر بعض ، لينتفع به{[23007]} . ولو التصق بعضها ، واتصل لم يقم لها شيء ، وكانت تصير سببا للتعذيب والإهلاك . فبفضله ورحمته أنزلها متتابعة لينتفع بها الخلق ، ويتمتعوا بها .

وفيه تذكير القوة الحكمة لأنه أنشأ السحاب الثقال ، وساقه إلى الموضع الذي قدر أن يرسل القطر إليه{[23008]} .

ومعلوم أن ذلك الإرسال ليس من فعل السحاب ، لأن السحاب يمتنع عن إرسال القطر حتى ينتهي إلى الموضع الذي أمر بإرسال القطر فيه ، ولو كان ذلك[ من ]{[23009]} السحاب نفسه لكان أين ما مر يعمل في الإرسال ، ولو كان ذا ثقب لكانت الريح متى دخلت في الثقب أرسل السحاب ما أنشأ فيه من القطر .

فإذا لم يوجد ذلك بأن[ أن ]{[23010]} الله تعالى بحكمته وقدرته ولطفه ، هو الذي أنشأ فيه ذلك ، ودبر إرساله لا أن يكون ذلك عمل السحاب . ولو أراد أحد من حكماء الأرض أن يعرف المعنى الذي له صلح ذلك السحاب أن يستمسك فيه القطر ، ولا يستمسك في مكان آخر ، لم يقف عليه . فذكرهم ليعلموا أن حكمته ليست على الوجه الذي ينتهي إليه حكم البشر[ وقدرته غير ]{[23011]} مقدرة بقوى البشر ، بل هو قادر على ما يشاء{ فعال لما يريد }[ هود : 107و . . . ] .

وفيه أن تدبير السماء والأرض والهوي يرجع إلى الواحد القهار ؛ إذ لا يتهيأ لأحد أن يمنع القطر المرسل من السماء عن الوصول إلى الموضع الذي أمر أن ينتهي إليه . والثجاج القطر المتتابع بعضه على إثر بعض ، والثلج الصب والإراقة .


[23006]:في الأصل و م: جواه.
[23007]:في الأصل و م: بها.
[23008]:في الأصل و م: هنالك.
[23009]:ساقطة من الأصل و م.
[23010]:ساقطة من الأصل و م.
[23011]:في الأصل و م: ولا قدرته.