إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا} (14)

{ وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات } هي السحائبُ إذا أَعْصرتْ أي شَارفتْ أنْ تعصُرَها الرياحُ فتمطرَ كما في أحصدَ الزرعُ إذا حانَ له أنْ يُحصدَ ومنه أعصرتِ الجاريةُ إذا دنتْ أنْ تحيضَ ، أو الرياحُ التي حانَ لها أن تعصُرَ السحابَ . وقُرِئَ بالمعصرات ووجهُ ذلكَ أنَّ الإنزالَ حيثُ كانَ من المعصراتِ سواء أريدَ بها السحائبَ أو الرياحَ فقد كانَ بها كما يقالُ أعطاهُ من يدِه وبيدِه وقد فسرتِ المعصراتُ بالرياحِ ذواتِ الأعاصيرِ ووجههُ أنَّ الرياحَ هي التي تنشئُ السحابَ وتقدرُ أخلافَه فصلحتْ أنْ تجعلَ مبتدأً للإنزالِ { مَاءً ثَجَّاجاً } أي مُنصبَّاً بكثرةٍ ، يقالُ ثجَّ الماءُ أي سالَ بكثرةٍ وثجَّه أيْ أسالَه ، ومنه قولُه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : «أفصلُ الحَجِّ العَجُّ والثَّجُّ »{[809]} أي رفعُ الصوتِ بالتلبيةِ وصبُّ دماءِ الهَدي . وقُرِئَ ثَجَّاحاً بالحاءِ بعدَ الجيمِ ، قالُوا ، مثاجحُ الماءِ مصابُّه .


[809]:أخرجه الترمذي في كتاب الحج باب (14)؛ وكتاب التفسير سورة (3) باب (6) وأخرجه ابن ماجه في كتاب المناسك باب (6/16)، والدارمي في كتاب المناسك باب (8).