فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا} (14)

{ وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا } المعصرات هي السحاب التي تنعصر بالماء ولم تمطر بعد كالمرأة المعتصرة التي قد دنا حيضها ، كذا قال سفيان والربيع وأبو العالية والضحاك ، وقال مجاهد ومقاتل وقتادة والكلبي هي الرياح ، والرياح تسمى معصرات يقال أعصرت الريح تعصر إعصارا إذا أثارت العجاج ، قال الأزهري هي الرياح ذوات الأعاصير ، وذلك أن الرياح تستدر المطر ، وقال الفراء المعصرات السحاب التي يتحلب منها المطر .

قال النحاس : وهذه الأقوال صحاح يقال للريح التي تأتي بالمطر معصرات ، والرياح تلقح السحاب فيكون المطر ، ويجوز أن تكون هذه الأقوال قولا واحدا ويكون المعنى وأنزلنا من ذوات المعصرات .

قال في الصحاح والمعصرات السحاب تعتصر بالمطر ، وعصر القوم أي مطروا ، قال المبرد يقال سحاب معصر أي ممسك للماء ويعتصر منه شيء بعد شيء .

وقال أبي بن كعب والحسن وابن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان : المعصرات السموات وقال ابن عباس : السحاب ، وقال ابن مسعود : يبعث الله الريح فتحمل الماء فتمر به السحاب فتدر كما تدر اللقحة .

وقرأ ابن عباس { وأنزلنا من المعصرات بالرياح } وقيل المعصرات المغيثات والعاصر هو الغيت .

والثجاج هو المنصب بكثرة على وجه التتابع ، يقال ثج الماء أي سال بكثرة وثجه أي سأله فيكون لازما ومتعديا ، وبابه رد ، ومطر ثجاج أي منصب جدا ، والثج أيضا سيلان دماء الهدي ، وفي الحديث " أحب العمل إلى الله العج والثج " فالعج رفع الصوت بالتلبية ، والثج إراقة دماء الهدى .

وقال الزجاج : الثجاج الصباب ، وقال ابن زيد ثجاجا كثيرا ، وقال ابن عباس : منصبا ، وقيل مدرارا متتابعا يتلو بعضه بعضا ، وقال ابن مسعود الثجاج ينزل من السماء أمثال العزالي فتصرفه الرياح فينزل متفرقا .