قوله عز وجل :{ ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب*إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد } . قال الكلبي : غزا سليمان أهل دمشق ونصيبين ، فأصاب منهم ألف فرس . وقال مقاتل : وورث من أبيه داود ألف فرس . وقال عوف عن الحسن : بلغني أنها كانت خيلاً أخرجت من البحر لها أجنحة . قالوا : فصلى سليمان الصلاة الأولى ، وقعد على كرسيه وهي تعرض عليه ، فعرضت عليه تسعمائة ، فتنبه لصلاة العصر فإذا الشمس قد غربت ، وفاتته الصلاة ، ولم يعلم بذلك فاغتم لذلك هيبةً لله ، فقال : ردوها علي ، فردوها عليه ، فأقبل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف تقرباً إلى الله عز وجل ، وطلباً لمرضاته ، حيث اشتغل بها عن طاعته ، وكان ذلك مباحا له ، وإن كان حراما علينا ، كما أبيح لنا ذبح بهيمة الأنعام ، وبقي منها مائة فرس ، فما بقي في أيدي الناس اليوم من الخيل يقال من نسل تلك المائة . قال الحسن : فلما عقر الخيل أبدله الله خيراً منها وأسرع ، وهي الريح تجري بأمره كيف يشاء . وقال إبراهيم النعيمي : كانت عشرين فرساً . وعن عكرمة : كانت عشرين ألف فرس ، لها أجنحة . قال الله تعالى : { إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد } و ( ( الصافنات ) ) : هي الخيل على ثلاث قوائم وأقامت واحدة على طرف الحافر من يد أو رجل ، يقال : صفن الفرس يصفن صفونا : إذا قام على ثلاثة قوائم ، وقلب أحد حوافره . وقيل : الصافن في اللغة القائم . وجاء في الحديث : " من سره أن يقوم له الرجال صفوناً فليتبوأ مقعده من النار " . أي قياماً . والجياد : الخيار السراع ، واحدها جواد . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد الخيل السوابق .
و " إذ " فى قوله : { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالعشي الصافنات الجياد } منصوب بفعل تقديره : اذكر ، و " عليه " متعلق بعُرِض و " العشى " يطلق على الزمان الكائن من زوال الشمس إلى آخر النهار . وقيل إلى مطلع الفجر .
والصافنات : جمع صافن ، والصافن من الخيل : الذى يقف على ثلاثة أرجل ويرفع الرابعة فيقف على مقدم حافرها .
والجياد : جمع جواد ، وهو الفرس السريع العدو ، الجيد الركض ، سواء أكان ذاكراً أم أنثى ، يقال : جاد الفرس يجود جُودَة فهو جواد ، إذا كان سريع الجرى ، فاره المظهر . .
أى : اذكر - أيها العاقل - ما كان من سليمان - عليه السلام - وقت أن عرض عليه بالعشى الخيول الجميلة الشكل . السريعة العدو .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت . ما معنى وصفها بالصفون ؟ قلت : الصفون لا يكاد يوجد فى الهجن ، وإنما هو فى - الخيل - العراب الخلص وقيل : وصفها بالصفون والجودة ، ليجمع لها بين الوصفين المحمودين : واقفة وجارية ، يعنى إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة فى مواقفها ، وإذا جرت كانت سراعا خفافا فى جريها . .
والإشارتان الواردتان هنا عن الصافنات الجياد وهي الخيل الكريمة . وعن الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان . . كلتاهما إشارتان لم تسترح نفسي لأي تفسير أو رواية مما احتوته التفاسير والروايات عنهما . فهي إما إسرائيليات منكرة ، وإما تأويلات لا سند لها . ولم أستطع أن أتصور طبيعة الحادثين تصوراً يطمئن إليه قلبي ، فأصوره هنا وأحكيه . ولم أجد أثراً صحيحاً أركن إليه في تفسيرهما وتصويرهما سوى حديث صحيح . صحيح في ذاته ولكن علاقته بأحد هذين الحادثين ليست أكيدة . هذا الحديث هو ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأخرجه البخاري في صحيحه مرفوعاً . ونصه : قال سليمان : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة . كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله . ولم يقل : إن شاء الله . فطاف عليهن فلم يحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل . والذي نفسي بيده ، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون . . وجائز أن تكون هذه هي الفتنة التي تشير إليها الآيات هنا ، وأن يكون الجسد هو هذا الوليد الشق . ولكن هذا مجرد احتمال . . أما قصة الخيل فقيل : إن سليمان - عليه السلام - استعرض خيلاً له بالعشي . ففاتته صلاة كان يصليها قبل الغروب . فقال ردوها عليّ . فردوها عليه فجعل يضرب أعناقها وسيقانها جزاء ما شغلته عن ذكر ربه . ورواية أخرى أنه إنما جعل يمسح سوقها وأعناقها إكراماً لها لأنها كانت خيلاً في سبيل الله . . وكلتا الروايتين لا دليل عليها . ويصعب الجزم بشيء عنها .
ومن ثم لا يستطيع متثبت أن يقول شيئاً عن تفصيل هذين الحادثين المشار إليهما في القرآن .
وكل ما نخرج به هو أنه كان هناك ابتلاء من الله وفتنة لنبي الله سليمان - عليه السلام - في شأن يتعلق بتصرفاته في الملك والسلطان كما يبتلي الله انبياءه ليوجههم ويرشدهم ، ويبعد خطاهم عن الزلل . وأن سليمان أناب إلى ربه ورجع ، وطلب المغفرة ؛ واتجه إلى الله بالدعاء والرجاء :
{ إذ عرض عليه } ظرف ل { أواب } أو ل { نعم } ، والضمير ل { سليمان } عند الجمهور { بالعشي } بعد الظهر { الصافنات } الصافن من الخيل الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل ، وهو من الصفات المحمودة في الخيل الذي لا يكاد يكون إلا في العراب الخلص . { الجياد } جمع جواد أو جود ، وهو الذي يسرع في جريه وقيل الذي يجود في الركض وقيل جمع جيد . روي أنه عليه الصلاة والسلام غزا دمشق ونصيبين وأصاب ألف فرس وقيل أصابها أبوه من العمالقة فورثها منه فاستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر ، أو عن ورد كان له فاغتم لما فاته فاستردها فعقرها تقربا لله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.