ولقد تحقق ما توعدهم به نبيهم ، فقد حل بهم العذاب فى الوقت الذى حدده لهم ، قال - تعالى - { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } أى : فلما جاء أمرنا بإنزال العذاب بهم فى الوقت المحدد .
{ نَجَّيْنَا صَالِحاً والذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } أى برحمة عظيمة كائنة منا .
ونجيناهم أيضاً { وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } أى : من خزى وذل ذلك اليوم الهائل الشديد الذى نزل فيه العذاب بالظالمين من قوم صالح - عليه السلام - فأبادهم .
فالتنوين فى قوله { يومئذ } عوض عن المضاف إليه المحذوف .
وقوله - سبحانه - { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القوي العزيز } تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين عما أصابهم من أذى .
أى : إن ربك - أيها الرسول الكريم - هو القوى الذى لا يعدز شئ ، العزيز الذى لا يهون من يتولاه ويرعاه ، فلا تبتئس عما أصابك من قومك ، فربك قادر على أن يفعل بهم ، ما فعله بالظالمين السابقين من أمثالهم .
وبالفاء التعقبية يعبر كذلك . فالعذاب لم يتأخر :
( فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ ، إن ربك هو القوي العزيز ، وأخذ الذين ظلموا الصيحة ، فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) . .
فلما جاء موعد تحقيق الأمر - وهو الإنذار أو الإهلاك - نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا . . خاصة ومباشرة . . نجيناه من الموت ومن خزي ذلك اليوم ، فقد كانت ميتة ثمود ميتة مخزية ، وكان مشهدهم جاثمين في دورهم بعد الصاعقة المدوية التي تركتهم موتى على هيئتهم مشهدا مخزيا .
( إن ربك هو القوي العزيز ) . .
يأخذ العتاة أخذا ولا يعز عليه أمرا ، ولا يهون من يتولاه ويرعاه .
وتقدم الكلام على هذه القصة مستوفى في سورة " الأعراف " {[14717]} بما أغنى عن إعادته ها هنا ، وبالله التوفيق .
{ فلما جاء أمرنا نجّينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ } أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة أو ذلهم وفضيحتهم يوم القيامة . وعن نافع { يومئذ } بالفتح على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه هنا وفي " المعارج " في قوله : { من عذاب يومئذ } { إن ربك هو القوي العزيز } القادر على كل شيء والغالب عليه .
«الأمر » جائز أن يراد به المصدر من أمر ، وجائز أن يراد به : واحد الأمور . وقوله : { برحمة منا } يحتمل أن يقصد أن التنجية إنما كانت بمجرد الرحمة ، ويحتمل أن يكون وصف حال فقط : أخبر أنه رحمهم في حال التنجية . وقوله : { منا } الظاهر أنه متعلق ب { رحمة } ويحتمل أن يتعلق بقوله { نجينا } .
وقرأت فرقة : «ومن خزيٍ يومَئذ » بتنوين خزي وفتح الميم من { يومئذ } وذلك يجوز فيه أن تكون فتحة الميم إعراباً ، ويجوز أن يكون بني الظرف لما أضيف إلى غير متمكن ، فأنت مخير في الوجهين . والروايتان في قول الشاعر :
على حين عاتبت المشيب على الصبا*** وقلت ألمّا أصح والشيب وازع{[6405]}
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «ومن خزيِ يومِئذ » بإضافة «خزي » وكسر الميم من { يومئذ } وهذا توسع في إضافة المصدر إلى الظرف كما قال : { مكر الليل والنهار }{[6406]} ونحو هذا ، وقياس هذه القراءة أن يقال سير عليه «يومُئذ » برفع الميم ، وهذه قراءتهم في قوله تعالى : { من عذاب يومئذ }{[6407]} ، و { من فزع يومئذ }{[6408]} ، وقرأ عاصم وحمزة كذلك إلا في قوله { من فزع يومئذ } [ النمل : 89 ] فإنهما نونا العين وفتحا الميم واختلفت عن نافع في كسر الميم وفتحها ، وهو يضيف في الوجهين ، وقرأ الكسائي «من خزي يومَئذ » بترك التنوين وفتح الميم من { يومئذ } وهذا جمع بين الإضافة وبناء الظرف .
وقرأ { ومن فزع } [ النمل : 89 ] كعاصم وحمزة وأما «إذ » فكان حقها : «إذ » ساكنة إلا أنها من حقها أن تليها الجمل فلما حذفت لها ها هنا الجملة عوضت بالتنوين{[6409]} ، والإشارة بقوله : { يومئذ } إلى يوم التعذيب .
تقدّم الكلام على نظائر بعض هذه الآية في قصّة هود في سورة الأعراف .
وعطف { ومن خِزي يومئذٍ } على متعلّق { نجّينا } المحذوف ، أي نجّينا صالحاً عليه السّلام ومَن معه من عذاب الاستئصال ومن الخزي المكيّف به العذاب فإنّ العذاب يكون على كيفيات بعضها أخزى من بعض . فالمقصود من العطف عطف منّة على منّة لا عطف إنجاء على إنجاء ، ولذلك عطف المتعلّق ولم يعطف الفعل ، كما عطف في قصة عاد { نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منّا ونجّيناهم من عذاب غليظ } [ هود : 58 ] لأنّ ذلك إنجاء من عذاب مغاير للمعطوف عليه .
وتنوين { يومئذٍ } تنوين عوض عن المضاف إليه . والتقدير : يوم إذ جاء أمرنا .
والخزي : الذّلّ ، وهو ذلّ العذاب ، وتقدّم الكلام عليه قريباً .