اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا صَٰلِحٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَمِنۡ خِزۡيِ يَوۡمِئِذٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (66)

قوله { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } أي : عذابنا ، وتقدَّم الكلامُ على مثله .

قوله : { ومِنْ خِزْيِ } متعلِّقٌ بمحذوفٍ ، أي : ونجَّيْنَاهم من خزي . وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : علام عطف ؟ قلت : على " نَجَّيْنَا " ؛ لأنَّ تقديره : ونجَّيناهم من خزي يومئذٍ كما قال : { وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ هود : 58 ] أي : وكانت التنجيةُ من خزي . وقال غيرهُ : " إنَّه متعلقٌ ب " نَجَّيْنَا " الأول " .

وهذا لا يجُوزُ عند البصريين غير الأخفش ؛ لأنَّ زيادة الواو غيرُ ثابتة .

وقرأ نافعٌ{[18861]} والكسائيُّ بفتح ميم " يومئذٍ " على أنَّها حركةُ بناءٍ لإضافته إلى غير متمكن ؛ كقوله : [ الطويل ]

عَلَى حينَ عَاتَبْتُ المشيبَ على الصِّبَا *** فقُلْتُ ألمَّا أصْحُ والشَّيبُ وَازعُ{[18862]}

وقرأ الباقون : بخفض الميم .

فمن قرأ بالفتح فعلى أنَّ " يَوْم " مضاف إلى " إذْ " ، و " إذْ " مبني ، والمضاف إلى المبني يجوزُ جعله مبنياً ، ألا ترى أنَّ المضاف يكتسب من المضاف إليه التعريف فكذا ههنا ، وأمَّا الكسرُ : فالسَّبب فيه أنَّهُ يضاف إلى الجملة من المبتدأ والخبر ، تقولُ : " جئتك إذ الشَّمس طالعة " ، فلمَّا قطع عنه المضاف إليه نون ليدل التنوين على ذلك ثمَّ كسرت الذَّال لسكونها وسكون التنوين .

وأما قراءةُ الكسر فعلى إضافة " الخِزْيِ " إلى " اليوم " ، ولم يلزم من إضافته إلى المبني أن يكون مبنيّاً لأنَّ إضافته غير لازمة .

وكذلك الخلافُ جارٍ في { سَأَلَ سَآئِلٌ } [ المعارج : 11 ] .

وقرأ طلحة{[18863]} وأبانُ بن تغلب بتنوين " خِزْي " و " يَوْمَئِذ " نصب على الظَّرف ب " الخِزْي " ، وقرأ الكوفيون ونافع في النَّمل { مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ } [ الآية : 89 ] بالفتح أيضاً ، والكوفيون وحدهم بتنوين " فَزَعٍ " ونصب " يَومئذ " به .

ويحتملُ في قراءة من نوَّن ما قبل " يومئذ " أن تكون الفتحةُ فتحة إعرابٍ ، أو فتحة بناء ، و " إذْ " مضافةٌ لجملة محذوفة عُوِّض عنها التَّنوينُ تقديره : إذا جاء أمرنا .

وقال الزمخشريُّ : ويجوزُ أن يراد يومُ القيامة ، كما فُسِّرَ العذاب الغليظ بعذاب الآخرة .

قال أبُو حيان{[18864]} : وهذا ليس بجيِّدٍ ؛ لأنه لم يتقدَّم ذكرُ يومِ القيامة ، ولا ما يكونُ فيها ، فيكون هذا التَّنوين عوضاً عن الجملةِ التي تكون يومَ القيامةِ .

قال شهابُ الدِّينِ{[18865]} - رحمه الله - : قد تكونُ الدَّلالةُ لفظيةً ، وقد تكون معنويةً ، وهذه من المعنوية .

والخِزْي : الذّل العظيم حتى يبلغ حدَّ الفضيحة كما قال الله تعالى في المحاربين : { ذلك لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدنيا } [ المائدة : 33 ] .

ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القوي العزيز } وإنَّما حسن ذلك ، لأنَّه تعالى بيَّن أنه أوصل العذاب إلى الكافر وصان أهل الإيمان عنه ، وهذا لا يصحُّ إلاَّ من القادر الذي يقدر على قَهْرِ طبائع الأشياءِ ، فيجعل الشَّيء الواحد بالنِّسبة إلى إنسان بلاء وعذاباً ، وبالنسبة إلى إنسان آخر راحة وريحاناً .


[18861]:ينظر: الحجة 4/346، 347 وإعراب القراءات السبع 1/284 وحجة القراءات 344 وقرأ بها أيضا أبو جعفر في الإتحاف 2/129 وينظر: المحرر الوجيز 3/186 والبحر المحيط 5/241 والدر المصون 4/111.
[18862]:تقدم.
[18863]:ينظر: البحر المحيط 5/241 والدر المصون 4/111.
[18864]:ينظر: البحر المحيط 5/241.
[18865]:ينظر: الدر المصون 4/11.