الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا صَٰلِحٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَمِنۡ خِزۡيِ يَوۡمِئِذٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ} (66)

قوله : { فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا } – إلى قوله – { لثمود }[ 66-68 ] :

والمعنى : / ولما جاء{[32669]} عذابنا نجينا صالحا منه{[32670]} . { والذين آمنوا معه برحمة منا } : أي : بنعمة ، { ومن خزي يومئذ }[ 66 ] : نجيناهم من هوان ذلك اليوم ، وذلته{[32671]} .

ومن خفض { يومئذ }{[32672]} ، أضاف إليه حرفا واحدا بالإعراب ، ومن نصب بناه مع ( إذ ) لإضافته إلى غير متمكن وهو إذ .

قال المبرد : من خفض قال : سير عليه يومئذ فرفع ، ومن فتح مع سير ، وغيره لأنه مبني .

{ إن ربك هو القوي }[ 66 ] أي : في بطشه إذا بطش ) .

{ العزيز } أي : الذي لا يغلبه شيء .

وروى عمرو بن خارجة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : كانت ثمود قوم صالح ، أصال الله أعمارهم حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر ، فينهدم لطول حياته ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا ، فنحتوها ، وجوفوها وكانوا في سعة من عيشهم فقالوا : يا صالح ! ادع لنا ربك يخرج لنا آية تعلم أنك رسول الله . فدعا صالح ربه فأخرج لهم الناقة ، فكان شربها يوما{[32673]} ، وشربهم{[32674]} يوما معلوما . فإذا كان يوم شربها . خلوا عنها ، وعن الماء وحلبوها لبنا ملء{[32675]} كل إناء ، ووعاء ، وسقاء ، فأوحى الله جل ذكره ، إلى صالح{[32676]} : أن قومك سيعقرون{[32677]} الناقة ، فقال لهم صالح ذلك ، فقالوا : ما كنا لنفعل ذلك ، فقال لهم : إلا تعقروها أنتم يوشك أن يولد فيكم مولود بعقرها . قالوا : ما علامة ذلك المولود ؟ قال : فإنه غلام أشقر ، أزرق ، أصهب{[32678]} ، أحمر{[32679]} . وكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان ، ( وكان ){[32680]} لأحدهما ابن يرغب له عن المناكح ، وللآخر{[32681]} ابنة لا يجد لها كفؤا ، فجمع بينهما مجلس ، فزوج أحدهما ابنته لابن الآخر ، فولد بينهما ذلك المولود . وكان في المدينة ثمانية رهط ، يفسدون في الأرض ، ولا يصلحون ، فقال صالح لقومه : اختاروا ثماني{[32682]} نسوة ، قوابل من القرية ، واجعلوا معهن{[32683]} شُرَطا ، فكانوا يطوفون بالقرية ، فإذا وجدوا امرأة تلد ، نظروا صفة ولدها إن كان ذكرا . فلما رأين ذلك المولود{[32684]} صرخن{[32685]} ، وقلن : هذا الذي يريد رسول الله صالح . فأراده الشرط ، فحال جداه{[32686]} بينهم وبينه ، وقالا : لو أن صالحا أراد هذا{[32687]} قتلناه . فكان شر مولود ، فشب{[32688]} في سرعة ، واجتمع الثمانية الذين يفسدون في الأرض ، وفيهم الشيخان ، فاستعملوا على أنفسهم ( الغلام ){[32689]} لمنزلته ، وشرفه{[32690]} . وكانوا تسعة ، وكان صالح لا ينام معهم في القرية{[32691]} . كان ينام في مسجد له خارج القرية . فإذا أصبح أتاهم ، فوعظهم ، وذكرهم{[32692]} .

وروى ابن جريج أن صالحا أمر بقتل الولدان ، فقتل أبناء ثمانية رهط . وكان لهم صاحب ترك ابنه فكبر . فقال الثمانية : لو أنا لم نقتل أبناءنا{[32693]} لكانوا مثل هذا الغلام . فائتمروا{[32694]} التسعة بينهم بقتل صالح{[32695]} . وقالوا : نخرج مسافرين ، والناس يروننا علانية ، ثم نرجع في وقت كذا من ليلة كذا ، فنقتله في مصلاه ، والناس يحسبون أننا مسافرون ، فأقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه . فأرسل الله ، جل ذكره ، عليهم ، الصخرة{[32696]} فرضختهم/ ، فاخبر الله{[32697]} أهل القرية بموتهم ، فقالوا : تناودن : أي : عباد الله ؟ ما رضي صالح بأن جعلهم{[32698]} قتلوا أولادهم حتى قتلهم{[32699]} . فأجمع{[32700]} أهل القرية على عقر الناقة أجمعون إلا رجلا منهم{[32701]} .

وقال عمر وابن خارجة : أراد المولود مع الثمانية قتل صالح ، فمشوا حتى أتوا سربا على طريق صالح ، فاختفى{[32702]} فيه ثمانية ، وبقي هو ، وقالوا : إذا خرج علينا قتلناه ، وأتينا أهله ، فبيتناهم{[32703]} ، فأمر الله عز وجل ، الأرض{[32704]} فاستوت عليهم ، فاجتمعوا ومشوا إلى الناقة ، وهي على حوضها قائمة . فقال الشقي لأحدهم{[32705]} : إيتها فاعقرها ، فأتاها ، فتعاظمه ذلك ، فرجع ثم بعث آخر ، فعظم عليه عقرها ، فرجع ثم آخر ، فرجع ، حتى رجع الجميع ، ولم يعقروا . فمشى هو إليها ، وتطاول ، فضرب{[32706]} عُرْقُوبَيْها ، فوقعت تركض . وأتى رجل منهم صالحا{[32707]} ، فقال : أدرك الناقة ، فقد عقرت . فأقبل ، وخرج وهم يتلقونه ، ويعتذرون إليه . يا نبي الله ! إنما عقرها فلان ، إنه لا ذنب لنا . قال : انظروا هل تدركون فصيلها ، فإن أدركتموه فعسى الله أن يدفع{[32708]} عنكم العذاب . فخرجوا يطلبونه ، فلما رأى الفصيل أمه تضطرب أتى جبلا يقال له : القارة قصيرا . فصعد عليه ، وذهبوا ليأخذوه{[32709]} . فأوحى الله عز وجل{[32710]} ، إلى الجبل ، فطال في السماء ، حتى ما تناله{[32711]} الطير ، قال : ودخل صالح القرية ، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه{[32712]} ، ثم استقبل صالحا ، فرغا رغوة ، ثم رغا أخرى ، ثم رغا أخرى{[32713]} . فقال صالح لقومه : لكل رغوة أجل يوم{[32714]} : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ، وآية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم{[32715]} مصفرة ، واليوم الثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودة . فلما أصبحوا إذا وجوههم كأنها طليت بالخلوق{[32716]} ، كلهم كذلك . فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم : ألا إنه{[32717]} قد مضى يوم{[32718]} من الأجل وحضركم{[32719]} العذاب . فلما أصبحوا اليوم الثاني ، إذ وجوههم محمرة ، كأنها خضبت بالدماء ، فصاحوا وضجوا{[32720]} ، وبكوا ، وعرفوا أنه العذاب . فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم : ألا إنه قد مضى يومان من الأجل ، وحضركم{[32721]} العذاب . فلما أصبحوا اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة ، كأنها{[32722]} طلبت بالقار{[32723]} . فصاحوا : ألا قد حضركم العذاب ، فتكفنوا بالأنطاع ، وتحنطوا بالصبر ، ثم ألقوا أنفسهم بالأرض ، ينظرون من أين يأتيهم العذاب ، من فوق ( رؤوسهم ){[32724]} ، أو من أسفل .


[32669]:ق: جاءا.
[32670]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/373.
[32671]:انظر المصدر السابق.
[32672]:وهي قراءة عامة القراء، سوى نافع، والكسائي من السبعة، وأبي جعفر من العشرة انظر السبعة 336، والمبسوط 240، والحجة 344، والتيسير 125، والجامع 9/42، والنشر 2/289.
[32673]:ق : يوم. مطموس.
[32674]:ق: وشربها.
[32675]:ق: ملئن.
[32676]:ط: صم.
[32677]:ق: يستغفرون.
[32678]:ط: أضعب.
[32679]:ق: أنمر. ط: أقصر والتصويب من الطبري.
[32680]:ساقط من ط.
[32681]:ق: والآخر.
[32682]:ق: ثمانية.
[32683]:ق: معهم.
[32684]:ق: للمولود.
[32685]:ق: مخز.
[32686]:ق: جازه.
[32687]:ق: هنا.
[32688]:ق: فنتبت.
[32689]:ما بين القوسين ساقطة من ق.
[32690]:ق: لزمته وشره.
[32691]:ط: بالقرية.
[32692]:انظر هذا الخبر في: جامع البيان 15/374-375.
[32693]:ط: أبناؤنا.
[32694]:ق: فايتصروا. ط: فاتمروا.
[32695]:ط: صم.
[32696]:ساقط من ق.
[32697]:ساقط من ط.
[32698]:ق: يجلعهم.
[32699]:ق: قتلوهم.
[32700]:ط: فاجتمع.
[32701]:انظر هذا الخبر في: جامع البيان 15/375-376.
[32702]:هذا الخبر هو تتمة الأثر ما قبل السابق المروي أيضا عن عمرو بن خارجة. في ص (3364).
[32703]:ق: فأصفي.
[32704]:ق: وسيلناهم.
[32705]:ق: لا حد لهم.
[32706]:ساقط من النسختين. والتصويب من الطبري.
[32707]:ق: صالح. ط: صم.
[32708]:ق: يرفع.
[32709]:ق: ليأخذونه.
[32710]:ساقط من ق.
[32711]:ق: يناله.
[32712]:ط: فقال.
[32713]:ق: فدعا دعوة ثم دعاء آخر ثم دعاء اسر.
[32714]:ق: دعوة أجل ثم.
[32715]:ق: وجوههم.
[32716]:الخلوق: طيب يتخذ من الزعفران، تغلب عليه الحمرة والصفرة، انظر: اللسان: خنق.
[32717]:ق: إنهم.
[32718]:ط: يوما.
[32719]:ق: وحضرهم.
[32720]:ق: وصحوا.
[32721]:ق: وحضرهم.
[32722]:ق: كأنهم.
[32723]:انظر: الهامش الثامن من الصفحة 3234.
[32724]:ساقطة من ط.