قوله تعالى : { فإن الله كان غفوراً رحيماً وإن يتفرقا وإن يتفرقا } ، يعني : الزوج والمرأة بالطلاق .
قوله تعالى : { يغن الله كلا من سعته } . من رزقه ، يعني : المرأة بزوج آخر . والزوج بامرأة أخرى .
قوله تعالى : { وكان الله واسعاً حكيماً } ، واسع الفضل والرحمة ، حكيماً فيما أمر به ونهى عنه . وجملة حكم الآية : أن الرجل إذا كانت تحته امرأتان أو أكثر ، فإنه يجب عليه التسوية بينهن في القسم ، فإن ترك التسوية بينهم في فعل القسم عصى الله تعالى ، وعليه القضاء للمظلومة ، والتسوية شرط في البينونة ، أما في الجماع فلا ، لأنه يدور على النشاط ، وليس ذلك إليه . ولو كانت في نكاحه حرة وأمة فإنه يبيت عند الحرة ليلتين ، وعند الأمة ليلة واحدة ، وإذا تزوج جديدة على قديمات عنده ، يخص الجديدة بأن يبيت عندها سبع ليال على التوال ، إن كانت بكراً ، وإن كانت ثيباً فثلاث ليال ، ثم يسوي بعد ذلك بين الكل ، ولا يجب قضاء هذه الليالي للقديمات .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، ثنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، ثنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا يوسف بن راشد ، ثنا أبو أسامة ، سفيان الثوري ، ثنا أيوب وخالد ، عن أبي قلابة ، عن أنس رضي الله عنه قال : " من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ، ثم قسم ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ، ثم قسم " . قال أبو قلابة : ولو شئت لقلت : إن أنساً رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وإذا أراد الرجل سفر حاجة ، فيجوز له أن يحمل بعض نسائه مع نفسه بعد أن يقرع بينهن فيه ، ثم لا يجب عليه أن يقضي للباقيات مدة سفره وإن طالت ، إذا لم يزد مقامه في بلده على مدة المسافرين ، والدليل عليه : ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، ثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم ، ثنا الربيع ، ثنا الشافعي ، ثنا عمي محمد بن علي بن شافع عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها " .
أما إذا أراد سفر نقلة فليس له تخصيص بعضهن لا بالقرعة ولا بغيرها .
وبعد أن رغب - سبحانه - فى الصلح بين الزوجين وحض عليه ، وأمر الأزواج بالعدل بين لأن الزوجات بالقدر الذى يستطيعونه ، عقب ذلك ببيان أن التفرقة بينهما جائزة إذا لم يكن منها بد . لأن التفرقة مع الإِحسان خير من المعاشرة فقال - تعالى - { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ الله وَاسِعاً حَكِيماً } .
وإن عز الصلح بين الزوجين واختارا الفراق تخوفا من ترك حقوق الله التى أوجبها على كل واحد منهما { يُغْنِ الله كُلاًّ } منهما { مِّن سَعَتِهِ } أى يجعل كل واحد منهما مستغنيا عن الآخر { وَكَانَ الله وَاسِعاً حَكِيماً } أى : وكان الله - تعالى - وما يزال واسعا أى واسع الغنى والرحمة والفضل { حَكِيماً } فى جميع أفعاله وأحكامه .
وبهذا نرى أن هذه الآيات الكريمة قد وضعت أحكم الأسس للحياة الزوجية السليمة ، وعالجت أمراضها بالعلاج الشافى الحكيم ، فقد أمرت الرجال بأن يؤدوا للنساء حقوقهن ، وأن يعاشروهن بالمعروف ، وأن على الزوجين إذا ما دب بينهما خلاف أن يعالجاه فيما بينها بالتصالح والتسامح ، وإذا اقتضى الأمر أن يتنازل أحدهما للآخر عن جانب من حقوقه فليفعل من أجل الإِبقاء على الحياة الزوجية . وأن الرجل لا يستطيع أن يعدل عدلا مطلقا كاملا بين زوجاته ، ولكن هذا لا يمنعه من العدل بينهن بالقدر الذى يستطيعه بدون تقصير أو ميل مع الهوى ، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور . وأنه إذا استحال الصلح وتنافرت الطباع ، وساءت العشرة كان الفراق بينهما أجدى ، إذ الفراق مع الإِحسان خير من الإِمساك مع المعاشرة السيئة التى عز معها الإِصلاح والوفاق والتقارب بين القلوب .
فأما حين تجف القلوب ، فلا تطيق هذه الصلة ؛ ولا يبقى في نفوس الزوجين ما تستقيم معه الحياة ، فالتفرق إذن خير . لأن الإسلام لا يمسك الأزواج بالسلاسل والحبال ، ولا بالقيود والأغلال ؛ إنما يمسكهم بالمودة والرحمة ؛ أو بالواجب والتجمل . فإذا بلغ الحال أن لا تبلغ هذه الوسائل كلها علاج القلوب المتنافرة ، فإنه لا يحكم عليها أن تقيم في سجن من الكراهية والنفرة ؛ أو في رباط ظاهري وانفصام حقيقي !
( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته . وكان الله واسعا حكيمًا ) . .
فالله يعد كلا منهما أن يغنيه من فضله هو ، ومما عنده هو ؛ وهو - سبحانه - يسع عباده ويوسع عليهم بما يشاء في حدود حكمته وعلمه بما يصلح لكل حال .
إن دراسة هذا المنهج ، وهو يعالج مشاعر النفوس ، وكوامن الطباع ، وأوضاع الحياة في واقعيتها الكلية . . تكشف عن عجب لا ينقضي ، من تنكر الناس لهذا المنهج . . هذا المنهج الميسر ، الموضوع للبشر ، الذي يقود خطاهم من السفح الهابط ، في المرتقى الصاعد ، إلى القمة السامقة ؛ وفق فطرتهم واستعدادتهم ؛ ولا يفرض عليهم أمرا من الارتفاع والتسامي ، إلا وله وتر في فطرتهم يوقع عليه ؛ وله استعداد في طبيعتهم يستجيشه ؛ وله جذر في تكوينهم يستنبته . . ثم هو يبلغ بهم - بعد هذا كله - إلى ما لا يبلغه بهم منهج آخر . . في واقعية مثالية . أو مثالية واقعية . . هي صورة طبق الأصل من تكوين هذا الكائن الفريد .
ثم قال تعالى : { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا } وهذه هي الحالة الثالثة ، وهي حالة الفراق ، وقد أخبر تعالى أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيها عنه ، بأن يعوضه بها من هو خير له منها ، ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه : { وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا } أي : واسع الفضل عظيم المن ، حكيما في جميع أفعاله وأقداره وشرعه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.