ثم - بين - سبحانه - سوء عاقبة هؤلاء الجاحدين من أهل الكتاب ومن المشركين فقال : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ } .
أى : إن الذين أصروا على كفرهم بعد أن تبين لهم ، من اليهود والنصارى ، ومن المشركين الذين هم عبدة الأصنام . . مكانهم المهيأ لهم هو نار جهنم ، حالة كونهم خالدين فيها خلودا أبديا { أولئك } الموصوفون بتلك الصفات الذميمة { هُمْ شَرُّ البرية } أي : هم شر كل صنف من أصناف المخلوقات ، لإِصرارهم على الكفر والإِشراك مع علمهم بالحق .
ولفظ " البرية " من البرَى وهو التراب ، لأنهم قد خلقوا فى الأصل منه ، يقال : فلان برَاه الله - تعالى - يبرُوه بَرْواً . أي : خلقه ، وقرأ نافع بالهمز ، من قولهم : برأ الله - تعالى - الخلق يبرؤهم ، أى : خلقهم .
وقدم سبحانه - أهل الكتاب فى المذمة ؛ لأن جنايتهم فى حق الرسول صلى الله عليه وسلم أشد ، إذا كانوا يستفتحون به على المشركين ، ويقولون لهم : إن نبيا قد أظللنا زمانه ، وإننا عند مبعثه سنتبعه ، فلما بعث صلى الله عليه وسلم كفروا به .
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة أمرين : الأول : أن هؤلاء الضالين خالدون فى النار ، والثاني : أنهم شر المخلوقات التى خلقها الله - تعالى - .
فأما وقد جاءتهم البينة من قبل في دياناتهم على أيدي رسلهم ؛ ثم جاءتهم البينة ، حية في صورة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ؛ ويقدم لهم عقيدة ، واضحة بسيطة ميسرة ، فقد تبين الطريق . ووضح مصير الذين يكفرون والذين يؤمنون :
( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية . إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية . جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا . رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ذلك لمن خشي ربه ) . .
إن محمدا [ صلى الله عليه وسلم ] هو الرسول الأخير ؛ وإن الإسلام الذي جاء به هو الرسالة الأخيرة . وقد كانت الرسل تتوالى كلما فسدت الأرض لترد الناس إلى الصلاح . وكانت هناك فرصة بعد فرصة ومهلة بعد مهلة ، لمن ينحرفون عن الطريق فأما وقد شاء الله أن يختم الرسالات إلى الأرض بهذه الرسالة الأخيرة الجامعة الشاملة الكاملة ، فقد تحددت الفرصة الأخيرة ، فإما إيمان فنجاة ، وإما كفر فهلاك . ذلك أن الكفر حينئذ دلالة على الشر الذي لا حد له ، وأن الإيمان دلالة على الخير البالغ أمده .
( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها . أولئك هم شر البرية )حكم قاطع لا جدال فيه ولا محال . مهما يكن من صلاح بعض أعمالهم وآدابهم ونظمهم ما دامت تقوم على غير إيمان ، بهذه الرسالة الأخيرة ، وبهذا الرسول الأخير . لا نستريب في هذا الحكم لأي مظهر من مظاهر الصلاح ، المقطوعة الاتصال بمنهج الله الثابت القويم .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلََئِكَ هُمْ شَرّ الْبَرِيّةِ * إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أُوْلََئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ } .
يقول تعالى ذكره : إن الذين كفروا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، فجحدوا نبوّته ، من اليهود والنصارى والمشركين جميعهم { فِي نارِ جَهَنّمَ خالِدِينَ فيها } يقول : ماكثين ، لابثين فيها أبَدا لا يخرجون منها ، ولا يموتون فيها { أُولَئكَ هُمْ شَرّ البَرِيّةِ } يقول جلّ ثناؤه : هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ، هم شرّ من بَرأَه الله وخلقه ، والعرب لا تهمز البرية ، وبترك الهمز فيها قَرَأتها قرّاء الأمصار ، غير شيء يُذكر عن نافع بن أبي نعيم ، فإنه حكى بعضهم عنه أنه كان يهمزها ، وذهب بها إلى قول الله : { مِنْ قَبْلِ أنْ نَبْرأَها } وأنها فعيلة من ذلك . وأما الذين لم يهمزوها ، فإن لتركهم الهمز في ذلك وجهين : أحدهما أن يكونوا تركوا الهمز فيها كما تركوه من المَلَك ، وهو مفعل من ألك أو لأك ، ومن يرى ، وترى ، ونرى ، وهو يفعل من رأيت . والآخر : أن يكونوا وجّهوها إلى أنها فعيلة من البَرَى وهو التراب . حُكي عن العرب سماعا : بفيك البَرَى ، يعني به : التراب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.