فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ ٱلۡبَرِيَّةِ} (6)

ثم بيّن سبحانه حال الفريقين في الآخرة بعد بيان حالهم في الدنيا فقال { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين } عطف علة الموصول أو المجرور ، وخبر إن { في نار جهنم } أي إنهم يصيرون إليها يوم القيامة . وبدأ بأهل الكتاب لأنهم كانوا يطعنون في نبوته فجنايتهم أعظم ؛ لأنهم أنكروه مع العلم به .

{ خالدين فيها } حال من المستكن في الخبر ، ولم يقل خالدين فيها أبدا كما قال بعد صفة أهل الثواب ؛ لأن رحمته أزيد من غضبه ، فلم يتفق الخلودان في الأبدية { أولئك } المذكورون من أهل الكتاب والمشركين المتصفين بالكون في نار جهنم ، والخلود فيها { هم شر البرية } يقال : برأ أي خلق والبارئ الخالق ، والبرية الخليقة .

قرأ الجمهور البرية في الموضعين بغير همز ، وقرئ بالهمز فيهما . قال الفراء : إن أخذت البرية من البراء - وهو التراب - لم تدخل الملائكة تحت هذا اللفظ ، وإن أخذتها من بريت القلم أي قدرته دخلت ، وقيل : إن الهمز هو الأصل ؛ لأنه يقال برأ الله الخلق بالهمز أي ابتدعه واخترعه ، ومنه قوله { من قبل أن نبرأها } ولكنها خففت ، والتزم تخفيفها عند عامة العرب ، وظاهر الآية العموم ، وقيل : شر البرية الذين عاصروا الرسول ؛ إذ لا يبعد أن يكون في كفار الأمم من هو شر من هؤلاء كفرعون وعاقر ناقة صالح ( عليه السلام ) .

وشر البرية أفعل تفضيل ، أي لأنهم يخفون من كتاب الله صفة محمد ، وأشر من قطاع الطريق ؛ لأنهم قطعوا طريق دين الحق على الخلق ، وأشر من الجهال ؛ لأن الكفر مع العلم يكون عنادا ، وهذا فيه تنبيه على أن وعيد علماء السوء أعظم من وعيد كل أحد .