غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ ٱلۡبَرِيَّةِ} (6)

1

ثم ذكر وعيد الكفار ووعد الأبرار ، وقدم في الوعيد أهل الكتاب على المشركين ، والسر فيه بعد ما مر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقدم حق الله على حق نفسه ، ولهذا حين كسروا رباعيته قال : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعملون ، وحيث فاتته صلاة العصر يوم الخندق قال : ملأ الله بطونهم وقبورهم ناراً ، فقال الله تعالى : كما قدمت حقي على حقك فأنا أيضاً أقدم حقك على حقي ، فمن ترك الصلاة طول عمره لم يكفر ، ومن طعن فيك بوجه يكفر . ثم إن أهل الكتاب طعنوا فيك فقدمتهم في الوعيد على المشركين الذين طعنوا فيّ ، وأيضاً المشركون رأوه صغيراً يتيماً فيما بينهم . ثم إنه بعد النبوة سفه أحلامهم ، وكسر أوثانهم ، وهذا أمر شاق يوجب العداوة الشديدة عند أهل الظاهر . وأما أهل الكتاب فقد كانوا مقرين بنبي آخر الزمان ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مثبتاً لنبيهم وكتابهم ، فلم يوجب لهم ذلك عداوة شديدة ، فطعنهم في محمد صلى الله عليه وسلم طعن في غير موقعه ، فاستحقوا التقديم في الوعيد لذلك ، وكانوا شر البرية ، وهذه جملة يطول تفصيلها شر من السراق ؛ لأنهم سرقوا من كتاب الله صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر من قطاع الطريق ؛ لأنهم قطعوا على سفلتهم طريق الحق ، وشر من الجهال ؛ لأن العناد أقبح أنواع الكفر ، وفيه دلائل على أن وعيد علماء السوء أفظع . قوله في هذه الآية { خالدين فيها } .

وفي آية الوعد { خالدين فيها أبدا } إشارة إلى كمال كرمه وسعة رحمته كما قال " سبقت رحمتي غضبي " . قال العلماء : هذه الآية مخصوصة في صورتين : إحداهما أن من تاب منهم وأسلم خرج من الوعيد ، والثانية أن من مضى من الكفرة ويجوز أن لا يدخل فيها لأن فرعون كان شراً منهم .

/خ8