اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ ٱلۡبَرِيَّةِ} (6)

قوله : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين } كما مرَّ في أول السورة ، وقوله تعالى : { فِي نَارِ } هذا هو الخبر ، و { خَالِدِينَ } حال من الضمير المستكن في الخبر .

قوله : { أولئك هُمْ شَرُّ البرية } .

وقرأ نافع وابن ذكوان{[60621]} : «البريئة » بالهمز في الحرفين ، والباقون : بياء مشددة .

واختلف في ذلك الهمز ، فقيل : هو الأصل من برأ الله الخلق ، ابتدأه واخترعه ، قال تعالى : { مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } [ الحديد : 22 ] ، فهي فعيلة بمعنى مفعولة ، وإنما خففت والتزم تخفيفها عند عامة العرب .

وقد تقدم أن العرب التزمت غالباً تخفيف ألفاظ منها : النبي ، والجاثية ، والذرية .

قال القرطبي{[60622]} : «وتشديد الياء عوض من الهمزة » .

وقيل : «البريَّة » دون همز مشتقة من «البرى » وهو التراب ، فهي أصل بنفسها ، والقراءتان مختلفتا الأصل متّفقتا المعنى . إلا أن عطية ضعف هذا ، فقال{[60623]} : «وهذا الاشتقاق يجعل الهمز خطأ ، وهو اشتقاق غير مُرْض » انتهى .

يعني أنه إذا قيل : إنها مشتقة من «البرى » وهو التراب ، فمن أين تجيء الهمزة في القراءة الأخرى .

قال شهاب الدين{[60624]} : «هذا غير لازم ، لأنهما قراءتان مشتقتان ، لكل منهما أصل مستقل ، فتلك من «برأ » ، أي : خلق ، وهذه من «البرى » لأنهم خلقوا منه ، والمعني بالقراءتين شيء واحد وهو جميع الخلق ، ولا يلتفت إلى من ضعف الهمز من النحاة لثبوته متواتراً » .

قال القشيريُّ : «ومن قال : البرية من البرى ، وهو التراب ، قال : لا تدخل الملائكة تحت هذه اللفظة » .

وقيل : البرية : من بريت القلم ، أي قدرته ، فتدخل فيه الملائكة ، ولكنه قول ضعيف ؛ لأنه يجب فيه تخطئةُ من همز .

وقوله : { هُمْ شَرُّ البرية } ، أي : شر الخليقة ، فقيل : يحتمل أن يكون على التعميم .

وقال قوم : أي هم شرُّ البرية الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، كقوله تعالى : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين } [ البقرة : 47 ] ، أي : على عالمي زمانكم ، ولا يبعد أن يكون في كفار الأمم قبل هذا من هو شرّ منهم ، مثل : فرعون ، وعاقر ناقة صالح ،


[60621]:ينظر: السبعة 693، والحجة 6/428، وإعراب القراءات 2/513، وحجة القراءات 769.
[60622]:الجامع لأحكام القرآن 20/98.
[60623]:المحرر الوجيز 5/508.
[60624]:الدر المصون 6/553.